ماهر عبد جودة
تمتحن إرادة الرجال في الظروف الصعبة، وتتجلى أصالتهم وصلابتهم وإصرارهم على النجاح والتفوّق وعدم الاستسلام للفشل والاخفاق، وتحقيق ماهو مهم وضروري لأبناء الشعب في المواقف الحاسمة والانعطافات الحادة في مسيرة الشعوب والتي تهدد وجودها وأمنها وملامح تطورها، ومسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان مثالا حياً وانموذجاً صادقاً لرجل السياسة والدولة المليء تعقلاً وحكمة ورؤية ثاقبةً وأفقا بعيداً.
فقد تسلم رئاسة حكومة الإقليم بتاريخ 10 / 7 /2019 ولمدة أربعة سنوات كان الإقليم حينها يعاني من مشاكل جمة في كل المؤسسات وعلى المستوى المعاشي لعموم شعب كوردستان، فلم تمنح الحكومة الاتحادية موزانة الإقليم كما هو منصوص عليه في الاتفاقات المبرمة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، ويقوم المركز وبفترات متباعدة بمنح الإقليم معونات مالية بعد مباحثات شاقة وبصعوبة بالغة واعتراضات من أطراف شتى، كما وأن ظهور جائحة كورونا وتأثيرها على الإقتصاد العالمي وما ترتب على ذلك من انخفاض حاد في مبيعات نفط الإقليم ومحاولات قوى عدة محافظة وتحمل إيدلوجيات مغلقة، بمحاربحة تجربة الإقليم الديمقراطية والاستماتة في إضعافها بشتى السبل المتاحة خصوصا بعد ما حققه الإقليم من نجاحات هائلة وسريعة وفي شتى المجالات والتي نالت إعجاب كل العراقين والأحرار في العالم.
وقدر لحكومة مسرور بارزاني، والتي تنتهي ولايتها في 10 / 7 / 2023 أن تواجه كمّاً كبيرا من التحديات، كتراكمات أخطاء الحكومة التي سبقتها والتي كبلتها بدين قارب 32 مليار دولار، ورواتب الموظفين المدخرة وانخفاض أسعار النفط نتيجة مرض كورونا، والفساد الذي لعب دورا كبيراً في تبديد الثروة واستدعاء التدهور الاقتصادي وانشطار المجموعة السياسية الكوردية وتشظيها وعدم انسجامها خصوصاً بين أحزابه الرئيسة واستقطاب بعض منها من قبل بعض الجماعات السياسية المتنفذة في المركز والتعاون معها لزعزعة استقرار الإقليم ونشر الفوضى بين أركانه تمهيدا لسحقه، واحتلال قضاء سنجار التابع للإقليم من قبل بعض الجماعات المتطرفة، نتيجة لفشل الإتفاق السياسي المبرم بين حكومتي الكاظمي والإقليم حول سنجار برغم أن الكورد حرروا القضاء من قبضة داعش بدماء غالية وتضحيات كبيرة.
إزاء كل ذلك لم يكن أمام رئيس حكومة الإقليم، إلا اتخاذ ما يلزم من إجراءات وقرارات حكيمة وصائبة ووفق استراتيجية بعيدة المدى، فكان جل اهتمامه منصبا على تشجيع وتحفيز الإمكانات الذاتية للإقليم في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، واعتماد المبادرات الإنتاجية الفردية والجماعية، فأصبح الإقليم ولأول مرة مكتفيا في الإنتاج الزراعي بل ومصدرا للدول المجاورة، ونشطت السياحة بشكل لافت مستفيدة من حالة التعايش البناء والتطور العمراني والحضاري الذي كان سائدا في الإقليم.
وقد كان مسرور حاذقا بشكل كبير عندما مد جسور التواصل وتجسير الفجوات مع الحكومة المركزية من خلال جولات الحوار البناءة مع حكومة المركز لانتزاع حقوق كوردستان والوصول إلى تفاهمات رصينه ومعتمده وكان ذلك قبل أن تتخذ المحكمة الاتحادية قراراتها ببطلان ولاقانونية تصدير نفط الإقليم عن طريق ميناء جهان التركي وإصراره على تحديث مؤسسات كوردستان وأتمّتها جميعا رغم عدم وجود قاعدة بيانات رصينهة.
وبما أن رئيس الوزراء قد أعلن منذ بداية توليه المسؤولية أن حكومته هي لخدمة أبناء كوردستان جميعا وبلا تمييز حزبي او جهوي أو قومي أو ديني، وبما يمهد الطريق لنهضة شاملة على مستوى الحريات والإقتصاد والفكر والثقافة والسلم الأهلي، لذا رأى أن الإجتماع بكل الفعاليات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والاستماع إليها بشكل مباشر ومعرفة همومها وكل معاناتها، مهمة جدا في تشخيص الخلل والأخطاء، وتصحيح مسار الحكومة ومجمل أدائها كما وكان لاجتماعاته الدورية المتكرره بكابنته الوزاريه والتي بلغت بحدود 218 اجتماعا وهو رقم لم تبلغه الحكومات السابقه لقد اينعت جهود حكومة مسرور بارزاني وقطفت جهد أهدافها ومنطلقاتها، إذ تمكنت من تخفيض الدين من 32 مليار إلى 28 مليار دولار، واتمت تنفيذ 3425 مشروعا وبكلفة لا تتعدى 13 ترليون دينار عراقي، وتلك إنجازات كبيره ويشار لها بالبنان قياسا لحجم التحديات وشراسة الحصار المشنون على الإقليم وشعبه.
الآن تدب الحياة في الإقليم بنشاط ملحوظ، وكل مظهر هناك يخبرك بأن الأزمة عدّت وكل الرهانات فشلت وخابت ولن تتمكن أي قوة مهما كانت محلية أو إقليمية، أن تنجح في إفشال التجربة الديمقراطية في الإقليم، وليس غريبا على مسرور بارزاني ذاك الدور الوطني المشرف وهو سليل المناضلين الأبطال الذين رفدوا الحركة الوطنية العراقية بتضحايات لا تعد ولا تحصى في تصديهم البطولي الشجاع لكل الأنظمة الشوفينية التي حكمت بغداد طوال عهود الاستبداد والديكتاتورية.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن