على مسافة من فندق بابل الشهير ولدت في ليلة باردة، كانت الكرادة والمناطق المتصلة بها كالزوية والجادرية جزءا من ملحمة واحدة، يشم قارؤها رائحة الرازقي الجوري والأوراد والأشجار العطرية. عندما كبرت وإبتعدت عنها، صرت أعود كأني أدخل الجنة من أبوابها الواسعة، وأعود لأشم تلك الروائح الزكية، وأقطع المسافة من مكان قريب لساحة كهرمانة حتى الزوية مشيا حيث يكون السحر واحدا في لياليها سواء كان في الصيف، أو في الشتاء
تمضي السنين، وتتدحرج الذكريات على سفح لايكاد ينتهي تعود بنا الى أيام الكرادة، وتتقاذف تلك الذكريات صورا شتى عن مدينة وشوارع وأزقة، وعن ناس غادروا الحياة، وآخرين كانوا يتحركون نحو المساجد، وأمثالهم يجوبون الشوارع والأسواق، ويتبادلون الأحاديث في المقاه العتيقة، ولايدركون كيف يمكن أن يكون شكل المستقبل الذي يسرع الخطى، ولايبالي بشيء.
الكرادة التي تغيرت، بل تفجرت ينابيع حزن وإجترار لمآس خلناها أبدية، وشاء الله تعالى أن نتجاَوزها برغم محاولات تتوالى لإعادتها وبقوة وجرها الى وضع بائس لانعلم من المستفيد منه.
تحاول الكرادة أن تستعيد ألقها، وتبتهج مجددا، وتضع الزينة، وتلبس أجمل الثياب، وتضيء للمقبلين عليها من مناطق بغداد ومحافظات البلاد الأخرى, وتنتشر المحال, والأسواق مزدهرة وعامرة بالبضائع ومايحتاج إليه الناس، وبعد سنين عجاف، ومحاولات خنق لهذه المنطقة النشطة، وتفجيرات لم تستثن سوقا ولامسجدا ولامطعما ولامتحركا على الأرض هاهي مرة أخرى تشهد إجراءات أمنية غريبة لانجد لها مثيلا في مكان آخر جعلت المواطنين الوافدين والسكان والتجار أاصحاب المحال يتساءلون عن السبب الغامض الذي لايعرفه سوى من يقوم بتلك الإجراءات خاصة حين يغلق الطرق، ويمنع الحركة، والوصول الى المولات والمحال التجارية والمطاعم، بينما يضع عجلات عسكرية في الدروب والأزقة، فيسرق وهج الكرادة.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن