Erbil 28°C الجمعة 05 كانون الأول 08:42

الرواية لن تموت… السعودي عبده خال يكشف سر الخلود في حوار خاص

Zagros TV

زاكروس - أربيل

الرواية تسكن عبده خال ويسكنها. النصوص تبدأ لديه مشتتة غير متماسكة. لكنها سريعاً ما تعود لتترابط وتتشكل لتكون بمكانة لوحة جميلة تفوق التوقعات. عبده خال ذلك والروائي الذي أسرني منذ أول سطر وقعت عليه وأول رواية حصلت عليها من أعماله الكثيرة. عندما أقرأ لعبده خال أشعر أني محلق في فضاء بعيد متناه في بعد، فضاء يكتب لك البداية لتعيش بعدها اللا نهاية. 

من (الموت يمر من هنا) الى (مدن تأكل العشب) وغيرها من العناوين، عشت مع شخصيات كنت أظن كغيري من القراء أنها شخصيات عادية هامشية قد لا تترك ورائها أثر لكنني سرعان ما أدركت أن وراء كل شخصية عالم قائم بحد ذاته، عالم مخبىء بين سطور اعماله الادبية.   

قبل هذا اللقاء تملكني الخوف مرارا وتكرارا، فأنا صحفي بسيط أمام عملاق روائي ولم أدر ماذا أسأله، لأن الأسئلة العادية قد لا تصمد أمامه. 

ومع ذلك، أجريتُ اللقاء متناولًا فيه عدة محاور، من بينها الرواية والحكاية الشعبية، وعلاقة السينما بالرواية، وغيرها مما سيظهر في الحوار التالي:

كيف الزمان والمكان معك ؟ 

حواري معك جاء بعد عمر طويل، وتنقلات فكرية عديدة، الان وصلت الى قناعة ان ليس للزمان وجود، بل المكان هو الوجود، وأي تغير للمكان نستشعر بمرور الزمن، ولهذا أرى أن علينا قلب مفاهيمنا للزمن والمكان أيضا. 
هذه بداية مثيرة ، لم أكن مستعدا لها.
وأنا مستعد لأي سؤال تريد البدء به، مع اشتراط الخروج من الأسئلة الجاهزة، أو المكررة.

جرت العادة أن تمسك اللقاءات الصحفية بصيغ مكررة..
اذا لنغيرها نحن.. 

اتفقنا... الى اين أوصلك المكان؟

التاريخ، وحياتنا ماهي الا امكنة نتنقل منها وفيها، ولهذا نجد أننا ننحت ، نحن لم نستفد من درس تعرية الصخور، في كل لحظة نخضع لعوامل التعرية. 

لنبسط حوارنا، ونختار نقطة من اجل الوصول الى ماتريد قوله، وما اريد السؤال عنه.. ما لذي قادك الى الأسطورة أو الى ما عرفت به ككاتب رواية؟

حسنا، في البدء كانت الكلمة، والكلمة هي الخلق الأول، ومن الخلق الأول نشأت الأسطورة، وهي سرد حكايات العقل البدائي، اذا أول حدث حكائي  كان نتاجاً لكلمة.

اساك إذا، ما الذي قادك إلى كتابة الرواية؟

لم أكن يخطر ببالي بأني سوف أكتب الرواية، الا أن بداية طفولتي، وفي قريتي البسيطة لم يكن هناك من منفذ لمعرفة كيف تسير الحياة الا من خلال الحكايات، وكلمة حكايات تبسيط لما كنا نسمعه من سادنة الاساطير، واضع هنا قوسا (بأن الاساطير كانت العلم الأول للعقل البدائي، سلك بها دروب الزمن حتى وصل الى مدخلات العلم، وكما يقودنا العلم الان لاختراق أسرار الكون، كانت الأسطورة تقود الناس الى معرفة ما لا يعرف، في تلك الطفولة الأولى كنت مصاحبا لأمي في تنقلاتها (كنت ابنها الأصغر)، وليليا اسمع من سادنة الاساطير اسطورة تزلزل مفاهيم طفولتي، تلك الزلزلة نتج عنها كتابين عن الأسطورة (قالت عجيبية- اساطير تهامية، وقالت حامدة- اساطير حجازية) ..بعد هذه اللمحة السريعة المقتضبة يمكن الإجابة على سؤلك، لاحظت ان المجتمعين لسماع الحكاية لايمكن لأي منهم ان تنبس شفتيه عن كلمة، وان حدث ذلك، يتم طرده من الجلسة، وفيما بعد عرفت أن للحكاية سلطة عظيمة على المستمع الرضوخ لما يروى.

ربما كان هذا سببا رئيسا لأن حمل الرواية كسلطة تحميني من هذر الناس .. احمل مسببات كثيرة لسؤالك عما قادني لكتابة الرواية  ، لنقف هنا مبدئيا

اذا الحكاية الشعبية هي التي قادتك؟

تصويب مرة أخرى ليس الحكايات الشعبية بل الاساطير العالمية، فمع الأيام اكتشفت ان ماكنت أسمعه في طفولتي لم تكن حكاية شعبية بل أساطير عالمية، وميزة الاساطير أنها تنتقل عبر المكان، وتتكيف مع أهل كل بيئة، فيتم تكيفها وفق تلك البيئة. تلك الاساطير وجدتها (عندما كبرت) اساطير عالمية متعددة الأماكن، اساطير عاشورية وبابلية ، وفرعونية وهندية وصينية وجدت ذلك عندما أردت توثيق الحكايات التي سمعتها طفلاً في كتابي الأسطورة التي كتبتها. 

تعد الرواية اليوم عملاً توثيقيا لسيرة أشخاص ومجتمعات، هل هي كذلك أم هي مجرد حكاية فقط؟

عفوا سؤالك به تعميم، الرواية لها أطراف ممتدة، ولا يمكن الإمساك بطرف واحد لنصنفها به .. الرواية غدت تاريخا اجتماعيا يناصب التاريخ الرسمي، يناصبه بالاعتداد ، والفخر، الرواية تاريخ مجتمعي يقول ما لا يقال في التاريخ الرسمي .

كيف تعمد على تحويل الرواية التي تكتبها إلى تاريخ؟

هناك تعريفات عديدة للرواية، وليكن التعريف الحاضر في ذهني بأن الرواية هي صورة معكوسة للحياة التي نعيشها، ومن هذا التعريف فإن المتوازي يجب ان يظهر مايوازيه، الناس ليس لهم ميكرفون أو قلم لكي يكتبوا حياتهم، وأنا امنح الناس المهمشين الميكرفون أو القلم ليكتبوا حياتهم .. ان أمنح المهمشين رفع الصوت أو الكتابة، وهناك خطأ شائع بأن المهمشين هم الطبقات الدنيا وحسب، المهمش من وجهي نظري هو من لايستطيع رفع صوته في أي طبقة كان.

وهل تمنحهم النصر أما تلجأ الى حكاية تظهر ظلمهم؟

الحياة ليس بها نصر دائم او هزيمة دائمة، الرواية حالة كشف، ربما تحدث نصرا في ومن لاحق ، فالفن عابر للزمن، وان قرأ الروية في زمن اخر وتعاطف معها الناس وظرفهم ربما تحقق نصراً. 

ثلاثية عذابات الفقر وجاهلية الفكر وعقيدة التقاليد دائما ما تفرض وجودها بقوة في أعمالك، لماذا؟

الفقر مثبط لأي حلم، وجاهلية الفكر سداد او حاجز أمان يمكن أي مجتمع من الانتقال الى المستقبل بادوات مستقبلية، فجاهلية الفكرة تمتاز بالاجترار وتكتفي باجترارها، والتقاليد هي مستلة من الحالتين ( الفقر وجاهلية الفكر) فتغدوا حياة ساكنة، والساكن لا يتحرك للمستقبل.

وما تحمله من أفكار وتبثها من خلال رواياتك، هل هي صائبة؟

الصواب من يحدده المتلقي، وأنا أؤمن أن كل انسان له أفكار صائبة من وجه نظره ، ولهذا يستوجب الحوار لنقف على قوعد تظهر الصائب دون سواه، وعدم وجود حوار يظل كل انسان متكلس في أفكاره .. كما ان الروائي لا يجبر المتلقي على الايمان بأفكاره، وفي نفس الوقت يعمد (الروائي) الى شخصيات تقف ضد كل فكرة تطرح ، أي ان الروائي يعمد الى جدلية الحوار بين شخصيات الرواية..

وما تحمله من أفكار قد تكون مناقضة للمجتمع الذي تعيش به، أليس هذا ممكناً؟

أي مجتمع بحاجة إلى قاطرة تنقله من مكان للآخر، والجميل أن الكتاب هم حملة مجتمعاتهم ، وليس كل الكتاب على طريق واحد، بل تعدد دروبهم، وكل منهم يحمل زوادته الفكرية، وكل ظرف يختار ما يحتاجه من تلك الزوادة ... الروائي يحمل حساسية من الأماكن المتكلسة ولذا تجده يخلق عالما متقدماً عن أوضاع مجتمعه، كما ان الفلسفة تحيك أفكارا مستقبلية كذلك الروائي يخلق عالما له فضاءات متسعة بعيدا عن ضيق الأمكنة..

أليس في هذا القول نرجسية؟

بلى، ومن قال لك ان الفنان ليس نرجسيا؟ وان كانت اسطورة نرجس في الميثولوجيا الاغرقية تنص ان نرجس فتن بنفسه من خلال رؤية وجهه على سطح الماء، ولأنه لم يتحرك عن سطح الماء مات هناك ورواية أخرى انه ذبل وتحول الى زهرة بنفسج .. والفنان الحقيقي نرجسيته ليس المكوث عند الصورة، هو لا يقتن بصورته، فهو مفتون بالافكار وربما هذا يفسر انتقال الكاتب من فكرة لفكرة أخرى، وليس في هذا اختلال، فالانسان كائن متطور ، يكون في كل فترة في مكان أخر طبعا ينتقل بالمبادىء الأساسية الحاملة للخير والعدل والجمال.

عبده خال متى يكون نرجسياً؟

عندما اكتب عالما مدهشا، يدهشني أنا في البدء.

أي رواية كتبتها أدهشتك؟

كل رواية كتبتها، وجدت فيها المدهش الذي أثارني لكتابتها
 
ما الذي تبحث عنه في المدهش؟

عن حياة أخرى، فالحياة التي نعيشها تم التواطؤ على مافيها ، ليس هناك حقيقة معاشه، ثمة أسرار مبطنه ومخفية بهذا التواطؤ .. وكما قلت بدءا ان الأسطورة كانت تكشف الواقع من خلال المتخيل، الخيال هو سر الحياة ، وكلما تخيلت وقفت على سر لم تكن البشرية على علم به .. كانت الأسطورة هي الكاشفة، والان العلم ينتقل الى المتخيل لكشف ما لم نكن نعلم به.

وهل وجدتها؟

أعيشها من خلال رواياتي، ففي كل رواية كتبتها قادني الخيال الى فكرة غير متواطأ على صياغتها.

مثل أي رواية؟

أنا أكتب الأفكار قبل (الحدوتة) وأن أردت أمثلة فعندك التالي من تلك الروايات (رواية الطين، رواية أنفس، رواية وشائج ماء، رواية كان رحما منبثا ، ولكي لا اطيل في ذكر أسماء الروايات أقول واثقا ان الخيال يوصلك الى ما لم تقله الحياة المتواطأ عليها.

تكتب روايات مطولة في زمن لم يعد للتطويل مكاناً؟

والحياة طويلة، لن تنتهي بما يقال لنا، لازال في الغيب متسع من الاقدار .. الفن اشبه بدفقة تعطيك شعور وصولك الى مرحلة الاشباع ، وانا ممن يمعن للوصول الى تلك الدفقة، ولا يعنيني ان اطلت او قصرت.

لننتقل الى جهة أخرى.. بمن تأثر عبده خال من الروائيين في بداية حياته القصصية والروائية؟

كل ما مر بي من حياة وشخوص اثروا في حياتي الكتابية، بدءا بالاسطورة التي كانت مداميك طفولتي، ومن ثم الناس الذين عشت معهم وبهم، فللناس حكايات مذهلة ، وكل انسان صالح لأن يكون رواية ، وقد وقفت على نهر عظماء الروائين قرأت وتعلمت منهم ، فالروائي محيط من القراءات عليه التزود من كل حقل معرفي، اذ يتحول الى فيلسوف، ومؤرخ، واسطوري، وسياسي، واجتماعي، وزراعي، عازف، صناعي، وجاهل، وعارف بتفاصيل كل حقل ، فشخصياته ترغمه لأن يكون في كل مكان معرفة وتواجدا.

كيف تقرأ اقتحام السينما لعالم الرواية، وما مدى نجاح التقارب بينهما ومن الذي بات يؤثر في الآخر؟

مع ارتفاع شعارات الموت (موت المؤلف، موت الناقد، موت الشعر، موت الصحف الورقية، موت التلفاز والإذاعة) قلت في حوارات صحفية أن الرواية لن تموت ، فقد وجدت طوقا ينجيها من الموات، ذلك الطوق هي السينما، فالسينما تحتاج احتاجا ماسا للرواية، ويمكن القول ان الرواية هي مصل الحياة للسينما.

الجوائز الأدبية وما يثار حولها من لغط كيف تراها؟

أرى أن من يكتب من أجل الحصول على جائزة، عليه ان يريح نفسه ويتوقف عن الكتابة.. الكاتب الحق لايبحث عمن يمنحه جائزة، فالمانح يريد الارتقاء على كاهل المبدع الحقيقي ... الكتابة سر اللاهي لايجوز الاستهانة بذلك السر، مٌنحت ذلك السر لأنك مصطفى في تحقيق ما أراده الله منك في اظهار اسرار الكون.

أليس في هذا القول ما يتجاوز النرجسية؟

ليكن، من يغير سير الحياة يقال عنها الكثير سواء أكان حيا أو ميتا، وربما تصدق قولي الذي يتطابق مع ما تقول عنه نرجسية ذات يوم. أخيراً ما الذي تريد ختمه من هذا اللقاء.. سأقوله لك ذات يوم جمعنا لنتحدث عن خوفنا وهربنا من كل شيء حتى من أنفسنا .

عبده خال كاتب وروائي سعودي. فازت روايته (ترمي بشرر) بالجائزة العالمية للرواية العربية 2010 وحازت روايته "لوعة الغاوية" جائزة أفضل رواية لكاتب سعودي 2013.

من إصداراته: "صدفة ليل"، "أنفس"، "لوعة الغاوية"، "الطين"، "فسوق"، "مدن تأكل العشب". وغيرها الكثير من الاصدارات . 

رامي فارس الهركي
 صحافي عراقي 

 

الأخبار الثقافة والفن

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.