زاكروس - أربيل
سلّط وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقابلة أجرتها معه شبكة إعلام كوردستان، مساء أمس السبت (16 آب 2025)، الضوء على العديد من الملفات الداخلية والخارجية على رأسها علاقات أربيل وبغداد والعلاقات العراقية مع إيران والولايات المتحدة، فضلاً عن ملف الحشد الشعبي والتشريع المتعلق به بالتزامن مع الحرب والتوترات في المنطقة، وكذلك الأوضاع في سوريا والكورد فيها وتأثيرها على العراق.
نص المقابلة:
في ظل الحروب والصراعات التي شهدناها في المنطقة، كيف نجا العراق من كل هذه الحرائق المحيطة بها؟
نجا نتيجة دراسة واقع المنطقة على أساس حماية العراق وإبعاده عن نيران الحرب، ونتيجة العلاقات القوية للحكومة ووزارة الخارجية مع مختلف الدول، كان لذلك تأثير واضح والحمد لله تم النجاح في ذلك.
كيف أقنعت الحكومة العراقية التي لا نستطيع القول إنها قادرة على السيطرة على الفصائل التي تريد أن تنخرط في هذه الحرب، كيف أقنعتها لكي لا تنجر إلى هذا المهب وعلى ماذا ركزت اتصالاتكم في الخارج للعمل في هذا الملف؟
العمل كان يستند على عمودَيّ الداخل والخارج، الأول هو أن رئيس الوزراء والقادة السياسيين من الأحزاب الشيعية بدأوا بعقد اللقاءات مع الكثير من قادة الفصائل وشرحوا خطورة بقاء زمام الأمور بيد الفصائل وخطورة تحديد الأهداف بشكل بعيد عن سياسة الحكومة العراقية، إذن الحوارات كانت موجودة في الداخل، وبالنسبة للعمود الثاني المتعلق بالخارج، فقد بدأنا منذ بداية الأزمة بالتواصل مع العالم الخارجي وخاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية المؤثرة على سياسة إسرائيل للتأثير عليها بعدم توسيع ساحة الحرب وضم الساحة العراقية إلى الحرب. كنا ومنذ البداية نتحدث عن أن الحرب في غزة ستؤدي إلى حرب أخرى، وكنا نرى مسار الحرب في غزة وجنوب لبنان وسوريا، وإيران كان الهدف، وكنا نرى أن الأراضي العراقية تقع في جغرافية الحرب، لذلك وعبر التواصل مع الخارج كنا نشرح أن العراق لا يريد أن يكون جزءاً من ساحة الحرب. وبينما تحدث البعض عن وحدة الساحات، كنا نقول علناً أن لدينا ساحة واحدة وهي عراقية، ووحدة الساحات هي عمل جهات أخرى وليست عراقية. ومن خلال العمل على الحفاظ على الساحة العراقية بعيداً عن الساحات الأخرى، تمكنّا من حماية العراق لحد هذه اللحظة، وبهذا العمل المزدوج (الداخلي والخارجي) من قبل الحكومة العراقية وقادة الأحزاب ووزارة الخارجية عبر اتصالاتنا مع الدول نجحنا في حماية العراق من الحرب.
ولكن تبدو المهمة شبه مستحيلة وبدت أن إيران حركت كل أذرعها في المنطقة، والجميع يعرف كيف تحرك حزب الله والحوثيون وكيف تحركت حماس، بينما أخرى مثل حزب الله تعلن انتماءها إلى إيران، كيف استطعتم أن تلجموا هذه الفصائل من مبدأ وحدة الساحات والدخول في الحرب؟
الفصائل كانت ولازالت تطرح وحدة الساحات والمقاومة، ولكن في النتيجة الحكومة هي التي تقرر، فكان هناك سياسة واضحة، فمن يقرر حالة الحرب وحالة الطوارئ؟ هل القرار بيد الفصائل أم بيد الحكومة؟ فالحكومة استطاعت أن تبعد الفصائل عن حالة الحرب، ربما قادة الفصائل غير مقتنعين بهذه المسألة، وكان يعلنون ذلك في الواقع، وكانوا في بعض الفرص يشنون هجمات على القواعد الأمريكية، ولكن أعتقد أن الرسالة وصلت وهي أن تدمير العراق وإدخاله في حالة حرب سيتسبب بتدمير كل شيء بما في ذلك الفصائل، فالعراق لا يستطيع الدخول في حروب ولا يؤمن بذلك.
إذا كانت الحكومة قادرة على ضبط الفصائل؛ لماذا هي غير قادرة على نزع السلاح منها؟
هذه مسألة أخرى، فأنا أعتقد أنه لا يجب أن تكون عملية النزع عبر العنف أو بطريقة تؤدي إلى قتال داخلي، وهو صعب أن يأتي بقرار من الحكومة، فيجب أن نتعامل مع توازن القوى العسكرية، ولكن أيضاً يجب أن نتحدث عن عدم طرح مسائل تؤدي إلى قتال داخلي. إذن نحتاج إلى حوار في الساحة العراقية.
حوار على ماذا؟ بالنسبة للمواطن العراقي العادي، ما هو المبرر لوجود سلاح غير شرعي في ظل دولة شرعية لديها حكومة وجيش؟
نحن نتحدث عن حوار نصل عبره إلى تفاهمات تنتهي بنزع السلاح، وإلا لا يمكن نزع السلاح بالعنف في هذا الوقت، وقد يؤدي ذلك إلى قتال داخلي، لذا نحتاج إلى حوار عقلاني، أولاً في إطار الأحزاب والقيادات الشيعية بالعراق، ثانياً في الإطار الوطني وعدم حصر الأمن الوطني العراقي في مكون واحد بل بجميع المكونات، إذن نحتاج إلى حوار وطني وقبل ذلك حوار شيعي- شيعي. لكن لحد هذه اللحظة، وبالرغم من وجود بعض التفاهمات، ليس هناك حوار عقلاني بهذا الخصوص، الحوار في الوقت الحاضر يتعلق بعدم القيام بعملية ما أو تجميد عملية عسكرية، وعدم إدخال العراق في نار الحرب. لكن بالنتيجة نتحدث عن مؤسسات أمنية وعسكرية، ونتحدث عن مرجعية القرار التي يجب أن يكون على أساس الدستور، لذا يجب أن تكون بيد الدولة والحكومة، والسلاح خارج الدولة غير مقبول، ويبقى السؤال هو كيفية حصر السلاح بيد الدولة، وأنا لا أرى شيئاً آخر غير الحوار لحل هذا الملف.
إذا شبهنا وضع العراق بوضع لبنان، نرى أن رئيس الجمهورية والحكومة اللبنانيين أعطيا مهلة لنزع السلاح، بعد أن استنفد هذا الحوار 40 سنة لنزع حزب الله سلاحه، ألا يبدو أن الحوار لا يؤدي نتيجة؟
الحوار الموجود في لبنان خلال الـ 40 سنة لم يكن حوار العقل بل حوار بلغة السلاح، نحتاج لحوار من نوع آخر وضمانات، أنا لا أفكر بأن يتم نزع سلاح حزب الله في لبنان عن طريق العنف فهذا غير ممكن وسيتسبب بقتال داخلي، قد يؤدي إلى منتصر أو مهزوم، لكنه سيؤدي إلى دمار مجتمع وضحايا، لذا فالسؤال المطروح هو هل أن نزع السلاح في لبنان أو العراق أو في أماكن أخرى سيكون عبر تدمير سلاح بسلاح آخر، أو يكون عن طريق الحوار العقلاني؟
هل ممكن أن يكون عبر ضربة إسرائيلية مثلما حصل مع حزب الله اللبناني؟
حتى بعد الضربة الإسرائيلية لازال هناك سلاح في لبنان، بغض النظر عن حدوث التغيير العسكري في توازن القوى، لذا أعود إلى الحديث عن أن نزع السلاح لا يمكن إلا عبر الحوار.
هل فعلاً إيران تحكم العراق اليوم؟
لا، ذلك غير صحيح، ولكن غير صحيح أيضاً أن نقول أن إيران لا تؤثر في القرار العراقي. قبل الـ2003 كان القرار العراقي واقتصاده وسياسته تحت مظلة أممية، ولم تكن هناك سيادة عراقية واختفت تلك السيادة منذ 1991، ومنذ ذلك الحين كان العراق تحت مظلة أممية وهذه المظلة كانت تحكم العراق، وحتى غرف رئيس الجمهورية وقصوره كانت هدفاً للتفتيش المستمر، إذن السيادة فُقدت، وبعد التدخل العسكري في عام 2003 بوجود جيوش الكثير من الدول من ضمنها الولايات الأمريكية فُقدت السيادة في العراق، وإعادة السيادة تحتاج إلى بناء النفس، وبدأت المسيرة السياسية بعد 2003 وبعد الدستور عام 2005 وبناء المؤسسات، وكلما تم التركيز على بناء النفس كلما قلت التدخلات الخارجية. أكثرية دول الجوار بشكل أو بآخر تتدخل بالقضايا العراقية سياسياً أو عسكرياً.
ماذا حمل معه لاريجاني إلى العراق، هل هو لشد العصب لما يسمى بمحور الممانعة؟
لا أعتقد، فالسيد لاريجاني أخذ الموقع الجديد كمستشار للأمن القومي الإيراني، وكان من المفروض أن يزور العراق سابقاً، ما يعني أن زيارته كانت مخططاً لها ومجدولة لمنصب المستشار، ولكن العلاقات الإيرانية العراقية هي علاقات معروفة وواضحة، هناك علاقات جغرافية وتاريخية وثقافية وسياسية وتجارية، فزيارته في الواقع كان فيه نقاشات واضحة حول كيفية تطوير هذه العلاقات وكيفية إبعاد المنطقة عن نار الحرب. فهناك تحديات كبيرة بعضها تخص إيران وأخرى العراق، لذا من الطبيعي أن نحتاج لمثل هذه اللقاءات، ولم يكن السيد لاريجاني يحمل رسائل كما قيل في الإعلام، بل تم تبادل وجهات النظر حول مجمل القضايا.
ما هي وجهة نظر إيران حول ما يحصل في المنطقة؟
الجانب الإيراني شكر الجانب العراقي لمواقفه من الحرب الـ12 يوماً على إيران، وشكر موقف إقليم كوردستان أيضاً. وكان هناك نقاش حول العلاقات الثنائية وخاصة في المجال الاقتصادي، وجرى النقاش حول التحديات الموجودة في المنطقة.
هناك ورقة فُرضت على لبنان أو نصح بها لبنان من قبل الولايات المتحدة بنزع سلاح حزب الله أو السلاح غير الشرعي، هل هناك ورقة أو ضغط أمريكي مماثل على العراق؟
ليس هناك ورقة أمريكية، لكن الموقف الأمريكي واضح ومعلن بالنسبة لقانون الحشد الشعبي المطروح في البرلمان العراقي وكذلك بالنسبة للفصائل. إذا فكرنا من منطلق الحاجة العراقية ومن المصالح العراقية، هل هي تحتاج إلى مراكز قوى عسكرية وأمنية مختلفة، أو تحتاج إلى مركز ومرجعية واحدة بالنسبة لاتخاذ القرارات الأمنية والعسكرية؟، بالتأكيد نحتاج إلى مرجعية واحدة كون هذا الملف يعد مسألة دستورية وليس لكونه طلباً أمريكياً أو غيره. فالفصائل تتصرف خارج الحشد، إذن أين المرجعية وهي تعتبر نفسها ضمن الحشد الذي يؤتمر بأمرة رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة؟، ما أعنيه هو الحاجة العراقية تتطلب هذا النقاش، وسلاح الفصائل يجب أن يكون ضمن حوار شيعي - شيعي وحوار وطني لحماية البلد من العنف.
هل ترى أن هناك جولة ثانية من الحرب قادمة إلى إيران؟ هل انتهى ما انتهى بعد حرب الـ12 يوماً، ووصلت الرسالة إلى إيران، أم أن إسرائيل وحسب تصريحات نتنياهو تريد تغيير الشرق الأوسط، هل ستكون ثمة جولة أخرى حسب تحليلك السياسي؟
ما أقوله سأضعه في إطار تحليلٍ شخصي يستند إلى ما نسمع عبر الإعلام أو من خلال اللقاءات مع الزملاء وزراء الخارجية ومسؤولي الدول. أن الحديث مازال يدور حول منطق الحرب وهو مسيطر على السياسة في المنطقة، ويعود أيضاً إلى أساس وقف إطلاق النار، فبعد حرب الـ12 يوماً، يتحدث الجميع عن وقف إطلاق النار ولم يتحدثوا عن السلم وهناك فرق بين المصطلحين، فالأول يعني أن هناك فترة زمنية معنية وقد تعود الحرب، والتهديدات الأخيرة من الجانب الإسرائيلي وعدم حصول تقدم في المفاوضات حول النووي الإيراني، والموقف الأخير للدول الأوروبية والتي تهدد بالعودة إلى ما قبل الـ2015، أي ازدياد الضغط الأوروبي على إيران، إذن كل هذه الأمور بما فيها التهديدات الإسرائيلية تؤدي بنا إلى التفكير في احتمال حدوث حرب وهجوم جديد، وأعتقد الجانب الإيراني قد هيأ وعبأ نفسه لجولة أخرى.
هل العراق جاهز في حال جرت جولة أخرى؟
نحن لا نتمنى أن تكون هناك جولة أخرى، ونحن ضد مبدأ الحرب، ونقف مع حماية العراق وجغرافيته وشعبه من الحرب.
هل أنتم تعلنون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن حيادية العراق؟
نحن ضد الحرب ولا نرى في ذلك حيادية، فالعراق عانى كثيراً من الحروب والدمار الذي لحق به. مبدأنا أننا لا نؤمن بالحرب وحل المشاكل عن طريق العنف، وواجبنا حماية العراق أولاً ولكن العراق ليس لديه القوة الخشنة، لا نستطيع حماية العراق من خلال القوة الخشنة، بل نتعامل مع الصراعات بالمنطقة من خلال القوة الناعمة التي تستند إلى العلاقات مع القوى المؤثرة، هذا هو الحل الوحيد، ليس لدينا غير هذه القوة التي تعتمد على العلاقات السياسية والدبلوماسية.
هل ترى في تحليلك الشخصي أيضاً، إن قلنا الضربة إذا أتت ستكون بهدف إسقاط النظام؟ كيف ترى اليوم القوة الإيرانية؟
من الواضح أن اتجاه الثورة الإيرانية ضعفت في الفترة الأخيرة، فمسار الثورة في الخارج الإيراني أصبحاً مساراً صعباً بالنسبة لإيران، فهل تتجه إيران تماماً إلى اتجاه الدولة؟ إذا تحقق ذلك فهذا يعني أن مصلحة الدولة والنظام هي الأولوية، وبالتالي الوصول إلى القرار من عدمه إلى تفاهمات مع الجانب الأمريكي حول المشروع النووي، باعتبار أن جزءاً من الصراع في المنطقة له علاقة بالمشروع النووي، ومن الواضح أن العالم الغربي وصل إلى قناعة أنه لن يسمح لإيران بالحصول على السلاح النووي، وعندما نتباحث مع إيران تعلن أنها ليس بصدد الحصول على سلاح نووي، وأنها تريدها لأغراض سلمية والتفاهم حول هذا الشأن ليس صعباً، ولكن هناك خلاف حول ذلك، فالجانب الغربي يريد إعادة نسبة التخصيب إلى الصفر، بينما طهران تصر على نسبة معينة، فيما نرى أن النسبة الآن هي 60%. وإذا وصل الجانب الإيراني إلى قناعة بالبدء بالمفاوضات مع الولايات المتحدة، أعتقد أن الحملة العسكرية على إيران ستتوقف بمراقبة المسيرة التفاوضية، ولكن عدم البدء بالمفاوضات يؤدي إلى وجود مسار واحد وهو مسار الضغط وزيادة العقوبات وعودة أوروبا إلى السياسة القديمة والضغط العسكري.
ماذا عن التحالف الدولي؟، يقال إن بعض الفصائل تربط ملف حصر السلاح بوجود القوات الأمريكية وأنها لن تلقي السلاح إلا بانتهاء ما تصفها بالاحتلال، هل العراق مستعد اليوم للطلب من هذه القوات الانسحاب، هل هو جاهز أمنياً؟
وجود هذه القوات جاء بدعوة من العراق، وقد تأسست من أجل العراق، ولولا قوات التحالف ودول صديقة أخرى لكان تنظيم داعش الإرهابي لازال مسيطراً على جزء كبير من العراق بما فيه العاصمة الاتحادية بغداد وعاصمة إقليم كوردستان أربيل، ولكنّا في حالٍ مأساوي. هناك نقاش وتفاهمات، ولكن كلها كانت قبل الأحداث في غزة والحرب في لبنان والتغيرات في سوريا، نحن في ساحة الحرب الآن، السؤال هو من سيحمي العراق؟
لكن العراق يقول إن لديه قوات الحشد الشعبي؟
نعم، لكن الحرب دولية وإقليمية ونحتاج إلى أصدقاء أقوياء لحماية أنفسنا، كوننا نتحدث عن إبعاد العراق عن نيران الحرب، فنحتاج إلى صديق قوي يساند العراق كما سانده سابقاً.
لكن هناك رؤية في العراق تعتبر الأمريكي محتل؟
لا، هناك تفاهمات بين العراق والولايات المتحدة، والولايات المتحدة موجودة في الساحة العراقية بناءً على تفاهمات مع الحكومة العراقية، وكانت هناك تفاهمات مع الجانب الأمريكي والتحالف من أجل الرحيل، لكن أكرر أنها كانت قبل الأحداث الخطيرة الأخيرة.
برأيك، كيف يجب معالجة قانون الحشد الشعبي الذي يواجه رفضاً أمريكياً؟
أولاً تشريع القوانين مسألة داخلية وعمل من أعمال البرلمان، وشيء طبيعي أن يتم طرح القوانين، ولكن المشكلة في توقيت القانون، وأنا أعلنها الآن أنني الوزير الوحيد الذي كان لديه تحفظ على توقيت القانون في هذه الحالة الإقليمية والدولية، والصراع الإيراني الإسرائيلي أو الإيراني الأمريكي، فأحياناً القضية صحيحة لكن توقيتها غير ملائم، من الطبيعي تشريع القوانين، هناك الكثير من التشريعات بدون أن تترك ردود فعل، بينما مسألة الفصائل والحشد الشعبي بغض النظر عن وجود توافق داخلي بشأنه أو بعدمه، لها علاقة بقضايا أمنية وعسكرية.
على ماذا تركّز النقاش في اجتماعكم مع نظيركم الأمريكي ماركو روبيو؟
علاقات ثنائية ونقاشات وتبادل وجهات نظر، فوجهة النظر الأمريكية في الاجتماعات الخاصة أو في العلن هي نفسها، والصراع الموجود هو صراع إيراني مع الدول الأخرى، فالوضع العراقي وضع حساس وهو جار لإيران وصديق لإيران وأيضاً صديق للولايات المتحدة، ونستطيع في أوقات معينة أن نجمع الجانبين، وحصل ذلك سابقاً في نيويورك، إذن فالعراق يستطيع لعب دور مهم للمصلحة العراقية والمصلحة الإقليمية، عبر تخفيف التوتر بما في ذلك التوتر بين الدول والولايات المتحدة تجاه إيران لأن جغرافية العراق تقع في جغرافية حرب، إذن حماية النفس هو الهدف الأساسي بالنسبة لنا.
هل لعبتم دور وساطة بين أربيل وبغداد؟
لست وسيطاً بين أربيل وبغداد، أنا ككوردي أُمثل الإقليم وكعراقي لدي مسؤولية في بغداد ولا ألعب دور الوساطة لكن أدعي أني أفهم الواقع الكوردستاني، كوني كنت مسؤولاً في الإقليم ووجودي في بغداد ومعرفتي بالوضع في بغداد وشبكة العلاقات الواسعة أحاول أن أستفيد من هذا الموقع لحل الأمور وطرح البدائل.
لكننا نرى أن هناك توتر دائم وهناك ظلم من وجهة نظر الكورد وأن الأمور لم تتحسن كثيراً في الآونة الأخيرة، ما المشكلة؟
المشكلة الأساسية، هو أن الكورد ونضالهم بالسلاح أو بالسياسة كان من أجل الديمقراطية، وكانوا يرون حل المسألة الكوردية عبر تحقيق الديمقراطية التي تعني الشراكة ووجودهم في صنع القرار، ثانياً هو أن الكورد ناضلوا من أجل اللامركزية سواءً كان جغرافياً أو في صنع القرار أو التعددية، وقد تم الوصول إلى نتائج إيجابية وتم تثبيت الفيدرالية وهذا يعني توزيع الثروة والسلطة بين المركز والأطراف، وهنا يحدث التناقض، إذ أن الثقافة الموجودة في بغداد هي ثقافة مركزية والقوانين أيضاً مركزية وهنا تكمن المشكلة. الإقليم يعتمد على الدستور، وبغداد على القوانين، فالدستور وفيه أكثر من 50 مادة تتطلب تأطيرها إلى قوانين، ونتيجة عدم تشريع القوانين لهذه المواد يتسبب بفراغ قانوني، وبالتالي تتم العودة إلى قوانين قديمة وهي جميعها مركزية تنبع معظمها من فكر البعث.
إذن المشكلة تقنية؟
لا، المشكلة قانونية وثقافية وبالتالي تؤثر على السياسة، لقد طرحنا في مفاوضاتنا وأنا كنت ضمن الوفد المفاوض في بغداد وجهة نظرنا بأن يتم تحويل العديد من المبادئ الأساسية في الدستور إلى قوانين، طرحنا قانون النفط، وقلنا في الاتفاق السياسي لتشكيل هذه الحكومة يجب تشريع هذا القانون خلال 6 أشهر، ولم يحدث ذلك، ليس بسبب الحكومة فقط فحتى وضع البرلمان يعتبر مأساوياً، كنا طرحنا تشريع قانون المجلس الاتحادي، الدستور يؤكد أن هناك مجلسين مجلس النواب والمجلس الاتحادي والأخير يعد الأساس بالنسبة للأقاليم والمحافظات ولم يتشكل، وهناك قانون مركزي للضريبة الذي يريد تسليم كل شيء للحكومة الاتحادية بينما الدستور ليبرالي، لدينا مشكلة في ترجمة الدستور إلى قوانين. أرى الحل يكمن في تشريع هذه القوانين وهذا يحتاج على ثقافة دستورية وهي قليلة، مما يتسبب تصادم.
أين الكورد من العملية الانتخابية المقبلة؟ وهل ترى بوادر حل نهائي للأزمة بين حكومتي الإقليم والاتحادية؟
لقد تم ربط تسليم النفط بدفع الرواتب، وهذا الملف ليس وليد اليوم، فمشروع قانون الموازنة الذي تم في حكومة حيدر العبادي أيضاً كان يشير إلى أنه على الإقليم أن يسلّم النفط وبالمقابل تسلّم بغداد استحقاقات الموظفين، هذه القضية كانت موجودة دائماً ولاسيما في قوانين الموازنة. أنا أستطيع التحدث عن هذا اليوم، هناك تفاهم واضح في مسألة تسليم النفط، وأعتقد أنه حل مؤقت قد يستمر حتى نهاية هذا العام، بينما الحل الدائم يجب أن يكون عبر وضع تخصيص نسبة للإقليم وأن لا تتدخل الحكومة الاتحادية بقوائم وتفاصيل الموظفين فالتدخل السافر في هذه المسألة غير صحيح، وقرار المحكمة الاتحادية جاء نتيجة الصراع الكوردي الكوردي، لكن في الواقع يجب أن تسلم الحكومة الاتحادية حصة حكومة الإقليم للإقليم، وفي السنة القادمة ومع تشريع قانون الموازنة يجب أن يكون الإقليم هو المسؤول أمام شعبه وأن يتمتع بصلاحياته الدستورية، ويجب عدم التعدي على الصلاحيات الدستورية لحكومة الإقليم.
حالياً هناك تفاهمات حول مسألة النفط وسأعود خلال الأيام المقبلة إلى بغداد للحديث حول تسليم النفط، والمشكلة الأساسية تكمن في الإيرادات غير النفطية، إذ أن هناك سوء فهم يعود إلى الدستور والقوانين، فبغداد ترى أنه يجب استلام كل الإيرادات، والإقليم يرى أن هناك إيرادات محلية للإقليم وإيرادات أخرى للحكومة الاتحادية، يجب معالجة هذه المشكلة، وسنحاول معالجتها مستقبلاً في إطار قانوني.
في بداية تشكيل حكومة السوداني كان هناك تأييد كوردي، وقد أيد الديمقراطي الكوردستاني السوداني في رئاسته، هل ترون أن هناك خيبة أمل كبرى من الكورد باتجاهه؟
نحن كنا الأساس في تأسيس الحكومة والاتفاق السياسي والمنهاج الحكومي، وكان هناك دعم كبير للسوداني لترأس هذه الحكومة، الآن هناك خلافات لكنها لم تصل أو تترجم إلى مواقف سياسية، وهناك أيضاً انتخابات وقد يكون فيها مفاجآت وسوف تفرز عنها أحزاب أو قوى جديدة وستحدد توازنات القوى السياسية في المستقبل والمفاوضات حول البرنامج المستقبلي وسوف تحدد العلاقات الثنائية والعلاقات مع بغداد، والحوار مستمر مع جميع الأحزاب والأطراف في بغداد من جانب الديمقراطي الكوردستاني.
لكن السوداني أعلن أنه سيتحالف مع الجيل الجديد ضد الديمقراطي الكوردستاني؟
لم أسمع هذا بشكل دقيق، السوداني لديه علاقات مع الجيل الجديد ويستقبلهم وكذلك الاتحاد الوطني ومع الديمقراطي الكوردستاني هناك صراعات وخلافات هذا صحيح.
أولاً يجب حل المشاكل التي تتعلق بمعيشة المواطنين ورواتبهم، وكذلك ملف النفط، وأن تبنى رؤية مستقبلية، ودراسة علاقات الإقليم مع بغداد وعلاقات الديمقراطي الكوردستاني مع الأطراف السياسية، وهذا يتم نقاشه بشكل مستمر داخل قيادة الحزب، فقد دخلنا الانتخابات وهذا يعني الدخول في الصراعات السياسية، هناك صراعات قوية بين الأحزاب الشيعية نفسها، وصراعات بين الأحزاب السنية نفسها، أو سنية وشيعية أو كوردية وأحزاب أخرى في بعض المناطق مثل كركوك والموصل وغيرها، لكن بالمقابل تؤدي الصراعات إلى تحالفات أيضاً.
أين الحزب الديمقراطي من هذه التحالفات؟
الحزب الديمقراطي يدرس الساحة السياسية، وسيتحالف مع من سينسجم مع رؤية تثبيت الديمقراطية والفيدرالية وتثبيت حق الإقليم الدستوري والتعامل معه بشكل دستوري وشفاف مع مجمل القضايا ومسائل عامة أخرى منها محاربة الفساد، وكيفية خوض السياسة الخارجية بصورة واضحة، جميع هذه الأمور هي من سياسات الديمقراطي الكوردستاني.
بالنسبة لوضع الكورد في سوريا، هناك الكثير منهم يطالبون بالفيدرالية والدولة اللامركزية، ولكن تبدو الأمور أكثر تعقيداً، ما هو موقفكم مما يحصل مع الكورد والأقليات كالدروز والمسييحين والعلويين وغيرهم؟
كوزير خارجية ليس من شأني أن أتدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكن الوضع في سوريا يؤثر على الساحة العراقية، ولقد رأينا أن داعش كان نتاج الوضع السياسي والأمني في سوريا والعراق، وسيطر على 50% من الأراضي السورية و30% من الأراضي العراقية، لذا فأن العلاقات السورية العراقية مختلفة عن علاقات سوريا مع الدول الأخرى بما في ذلك دول الجوار.
لدينا أمور مشتركة غريبة وعجيبة مع سوريا، وأنا في هذا الصدد وباجتماع معين وبحضور وزير الخارجية السوري، قلت أن لدينا أمور مشتركة، لذا نعطي لأنفسنا الحق في التحدث ولكم أيضاً هذا الحق، أولاً مجتمع سوريا هو مجتمع مكوناتي والكثير من المكونات الموجودة في سوريا موجودة في العراق، فيهما ذات القوميات والطوائف، وهناك تواصل اجتماعي مستمر، السوريون ناضلوا ضد حزب البعث، نحن أيضاً، ذلك الحزب الذي تحول إلى حزب العائلة في سوريا وكذلك في العراق، وتحول إلى حزب الشخص الواحد في البلدين، ونضال الشعبين العراقي والسوري كان طويلاً، واستطاعا إضعاف حزب البعث، لكن لم يستطيعوا إسقاطه، إلا بتدخل خارجي. هيئة تحرير الشام كانت موجودة لسنوات عديدة في إدلب بينما تمكنت من إسقاط البعث بتدخل خارجي، وفي العراق أيضاً رغم التضحيات التي بذلها الشعب العراقي والصراع والنضال المستمرين، لم يتم اسقاط صدام إلا بتدخل خارجي، كل هذه المشتركات المجتمعية أو المسيرة السياسية أو النضال ضد حزب البعث جميعها متشابهة، إذاً لدينا الحق أن نفكر في هذا الشأن كما لديهم الحق أن يفكروا، نعلم أن هناك حالة عدم ثقة بين المكونات نتيجة هذا الصراع الطويل، اعتقد يجب الابتعاد عن الفكر المركزي، فحين نرغب بجمع كافة المكونات يجب أن نخلق حالة ثقة بينهم، والابتعاد عن الفكر المركزي يعني أن البديل هو الفكر اللامركزي، وتفسيره يعتمد على المكونات والحكومة السورية نفسها، فالفكر اللامركزي يؤدي إلى وحدة البلد على عكس المركزي الذي يؤدي إلى التقسيم، لأنه ليس من الممكن أن تعود المكونات التي فقدت الثقة إلى الوثوق بفئة واحدة تسطير على جميع الأمور، فالشعب السوري ناضل من أجل الديمقراطية، إذاً نحتاج إلى شيئين: هما الديمقراطية والفكر اللامركزي. عدم امتلاك الشعب السوري المفتاح يعني استمرار التدخلات، فهناك على الأراضي السورية جيش تركي وآخر أمريكي وقوات فرنسية، هناك جيش اسرائيلي وقواعد روسية أيضاً وإضافة إلى ذلك هناك تنيظم داعش، إذاً هناك حاجة إلى إطروحات جديدة مستندة إلى لم الشمل وهذا لا يمكن ما لم يكن الإنسان في المجتمع واثق من نفسه وهويته، لكي تتشكل منها جميعاً الهوية السورية.
ضمن هذه التحولات، يجري الحديث عن دويلات أو إمكانية تقسيم المنطقة إلى دويلات، وللكورد حلم تاريخي بأن يكون لهم أرض ودولة، هل تنصح الكورد بالتخلي عن هذا الحلم أو الاستفادة من هذا الظرف؟
لا استطيع أن أمنع أي شخص أن يحلم، الحلم يبقى حلماً، ولكن الواقع شيء آخر، للشعب الكوردي حقٌ في تقرير مصيره، لكن هناك واقع، فالكورد في سوريا لم يطرحوا موضوع دولة كوردية، وفي بداية الثورة السورية وكنت في الإقليم وأتعامل مع كورد سوريا، لم أسمع من أي سياسي كوردي أو حزب كوردي حديثاً عن الاستقلال، هم يناضلون من أجل ضمان حقوقهم في الدولة السورية، سواء بالفيدرالية أو اللامركزية ضمن الإطار السوري، فمنذ تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني قبل 79 عام، كان الشعار هو النضال من أجل الديمقراطية إذاً في إطار الدولة، وأنا أرى أن الواقع الحالي هو تغيير النظام من المركزية إلى لامركزية ومن غير الديمقراطية إلى ديمقراطية.
هل أنت متفائل بمستقبل العراق؟
ليس لدي تشاؤم، وأنا واقعي، وأرى الإيجابيات وسندخل الانتخابات النيابية السادسة، إذاً فالمسيرة الديمقراطية رغم نواقصها لاتزال موجودة ومستمرة، واستمرارنا في هذه المسيرة يعني استمرار تثبيت الحالة الديمقراطية وبناء المؤسسات التي لها علاقة بالدستور والمبادئ الديمقراطية، لذا أرى أن العمل من أجل الديمقراطية وتثبيت الكيان الفيدرالي في العراق هو الأمر الصحيح، وبما أن الدستور يؤكد على الكيان الفيدرالي، ولأن الديمقراطية والكيان الفيدرالي عمودان أساسيان لحماية العراق، فأنا متفائل لأن الدستور والعملية الديمقراطية موجودان بالرغم من المشاكل.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن