زاكروس - أربيل
كان محمد نجيب يأمل في أن يجنّبه النقل إلى مستشفى تشرين العسكري بعضا من "العذاب" الذي يتعرّض له في سجن صيدنايا قرب دمشق حيث كان معتقلا، لكنه صار بعد ذلك "مرعوبا" من الذهاب اليه، إذ إنه كان يتعرض للضرب بدل العلاج.
بعد ساعات من إطاحة الرئيس بشار الأسد في كانون الأول خرج نجيب (31 عاما) إلى الحرية، حاله كحال الآلاف من نزلاء السجن السيئ السمعة الواقع على مسافة نحو 30 كيلومترا من دمشق.
علاوة على الندوب النفسية لفترة الاعتقال في سجن اصطلحت منظمات حقوقية على تسميته بـ"المسلخ البشري"، خرج نجيب وهو يعاني تكوّرا في أسفل الظهر يجعله بالكاد قادرا على المشي.
رغم ذلك، أصرّ نجيب على مرافقة وكالة فرانس برس في جولة في النظارة العائدة إلى مستشفى تشرين، أكبر المرافق الطبية العسكرية في العاصمة.
ويقول أثناء عودته الى المستشفى برفقة اثنين من زملاء زنزانته في صيدنايا "كنت أتعذب كثيرا ولا أريد القدوم لأنه مرعب جدا".
ويضيف "كنت أخاف كثيرا من مستشفى (تشرين) لأنهم كانوا يضربونا كثيرا، عذاب كبير. لم أكن أريد الذهاب إليه لأنني كنت أخاف منه كثيرا... وأتعرض للضرب لكوني غير قادر على المشي".
يؤكد نجيب أنه لم يتلقّ العلاج اللازم لآلام ظهره، اذ منعه سجّانوه من أن يبوح للأطباء بحقيقة ما يشعر به، والاكتفاء بالقول إنه يعاني عوارض مرض السل الذي كان منتشرا في سجن صيدنايا.
ويوضح "كانوا فقط يعالجون أعراض السل، كان ينبّه علينا الشرطي أن نقول (إننا نعاني فقط) الإسهال والحرارة"، مضيفا "كان ممنوعا أن نقول غير ذلك للطبيب. كنا نذهب ونعود بلا أي فائدة".
وشهد صيدنايا، وهو من أكبر السجون في سوريا وكان مخصصا أساسا لإيواء السجناء السياسيين، عمليات تعذيب وإعدامات خارج نطاق القانون وإخفاء قسري، وفق شهادات منظمات حقوقية ومعتقلين سابقين وأفراد عائلاتهم.
وبعيد دخولها دمشق بعد هجوم مباغت مكّنها من إسقاط حكم الأسد، سارعت الفصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام إلى فتح أبواب السجون وبينها صيدنايا. وأعلنت إخراج الآلاف من الزنزانات في مناطق سورية عدة. وكان بعضهم محتجزا منذ الثمانينات.
ومنذ ذلك الحين، أوقف مستشفى تشرين العسكري عن العمل في انتظار انجاز تحقيق في الممارسات التي شهدها.
ويؤكد ناشطون حقوقيون أن للمستشفيات العسكرية السورية، لا سيّما تشرين، سجلا حافلا من الإهمال وسوء معاملة المرضى.
ويوضح هاني مجلي، عضو لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أن "بعض العاملين الطبيين في عدد من هذه المستشفيات العسكرية كانوا يساعدون... في الاستجوابات والتعذيب، وربما حتى يحرمون الموقوفين من العلاج".
وروى معتقلون سابقون في صيدنايا تجربتهم المريرة كلما عانوا عوارض المرض. وكان الحراس يبدأون ضرب النزلاء بمجرد إخراجهم من زنزاناتهم إلى نظارة المستشفى، ومنه إلى مبناه الرئيسي لمقابلة الأطباء، قبل إعادتهم الى السجن.
وأكد عدد من المعتقلين السابقين أن السجناء الذين كانوا يعانون مرضا شديدا، كانوا يتركون ليموتوا أو حتى يُقتلوا داخل نظارة مستشفى تشرين.
ويؤكد نجيب أنه تعرّض ونزلاء آخرين للضرب المبرح قبل ثلاثة أعوام في السجن لمجرد التحدث واحدهم إلى الآخر كما تمّ تعذيبهم باستخدام أسلوب "الدولاب"، حين يتم وضع المعتقل داخل إطار سيارة قبل أن يتعرض للضرب.
وبعد معاينة أولية في صيدنايا، اكتفى الطبيب العسكري بوصف المسكّنات لنجيب لمعالجة آلام الظهر، قبل أن يجيز نقله إلى مستشفى تشرين لمعالجة عوارض السل الشائعة في السجن.
نقل عمر المصري (39 عاما) إلى المستشفى جراء إصابة في الساق ناتجة عن التعذيب، لكنه اضطر كغيره من النزلاء، للقول للطبيب إنه يعاني آلاما في المعدة وارتفاعا في الحرارة. لكن جرحه كان ظاهرا لدرجة لا يمكن تجاهله، ما دفع بالطبيب إلى معالجته.
لكن تجربته لم تكن غير مريرة: فأثناء انتظار تلقي العلاج، طلب منه أحد الحراس أن يقوم بـ"تحميم" نزيل آخر كان يعاني إعياء شديدا.
وأوضح المصري "دخلت الى الحمام وأتيت بمياه أمسح له وجهه ويديه"، قبل أن يعود الحارس ويقول له بغضب "حمّمه!".
كرر المصري ما قام به، لكن المريض لقي حتفه بين يديه هذه المرة. مذعورا، قرع باب الغرفة مناديا الحارس "قلت له سيدي لقد توفى... فقال لي أحسنت"، ففهمت أنه حين قال لي حممه كان يقصد أن أقضي عليه".
وأفادت طبيبة مدنية لفرانس برس بأنها وزملاءها في مستشفى تشرين، كانت لديهم أوامر صارمة بإبقاء الأحاديث مع السجناء في حدودها الدنيا.
وقالت الطبيبة التي طلبت عدم كشف هويتها "لم نكن نعرف اسم المعتقل، لم يكن بإمكاننا السؤال، ممنوع أن نعرف أي شيء عنه".
وأضافت "لم يكن المعتقل يجيب سوى بحجم السؤال، منهم لم ينظروا حتى في وجهي. لم يكن مسموحا لهم أن يتكلموا".
بعد تعرضه للضرب المبرح في صيدنايا، أصيب أسامة عبد اللطيف بكسور في الأضلاع، لكن الأطباء في السجن لم ينقلوه إلى المستشفى سوى بعد أربعة أشهر وهو يعاني نتوءا جانبيا كبيرا.
ألزم عبد اللطيف وآخرون بنقل جثث ثلاثة من زملائهم السجناء إلى عربة، وإنزالهم منها لدى الوصول الى مستشفى تشرين العسكري في العاصمة السورية.
ويقول عبد اللطيف "لقد سجنت خمسة أعوام، لكن 250 سنة لن تكفي لأتحدث عن معاناة السنوات الخمس".
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن