سعد الهموندي
المتلقي الجالس اليوم ينظر إلى الأحداث وتسارعاتها، ثم يرى إعلامنا وحالة شلله، سيكتشف وجود حالة انفصام ما بين هول الأحداث على أرض الواقع وضحالة وضعف الصدى الإعلامي لهذه الأحداث، فالمثل القائل سكت دهراً وعندما نطق.. نطق كفراً هو أقرب إلى حالة الصمت الإعلامي العام إزاء ما يحدث في المنطقة عامة والعراق خاصة، فأحداث القصف على مناطق متفرقة في إقليم كوردستان بحجة وجود جماعات مسلحة، وأحداث القصف التركي، وأحداث التمادي الكويتي على الاقتصاد العراقي وتجميد عمل ميناء الفاو، والتخاذل والتنازل والعمالة لدول قريبة وبعيدة وغير ذلك الكثير، كلها أحداث تستدعي أن يكون بيننا إعلام بحجم هذه الأحداث وأهميتها وخطورتها.
لكن إعلامنا للأسف مازال ساكتاً صامتاً وإن تحدث فحديثه كفراً لا يليق بمستوى ما يحصل على أرض الواقع، لنراه عبارة عن إعلام لا مبالي وهذا إن دل على شيء فيدل على خفوت جوانب الإعلام السياسي وضياع حالة الانتماء، وبالتالي بدأ الإعلام يقودنا إلى فقدان الاحساس بالمسؤولية، وعدم الالتزام بالواجبات المنوطة بما يحصل في مجتمعنا ووطننا.
وهنا نرى أن الإعلام الساكت بدأ يولد إحباطات متتالية الأمر الذي سيضعف وبالتالي ستتعثر أحداث تنمية نوعية في مجتمع يفتقد إلى الدافعية بسبب من لامبالاته، ولذلك يعد شيوع اللامبالاة في المجتمع من الأمور التي تقلل من حيوية المجتمع التي تحتاجها عملية الدفاع عنه.
ونعود هنا إلى حالة السكوت الإعلامي الذي بات يقطع صلته مع تفاعل الجمهور في الحفاظ على سلامة وأمن وآمان مجتمعنا، الأمر الذي سيقطع روابط المواطنين بالسلطة السياسية التي تحرك الإعلام على أهوائها وليس على واقع الأحداث على أرض الواقع.
وبالرغم من أن وسائلنا الإعلامية ترغب في أن تكون مصداقيتها عالية لدى الجمهور، إلا أن شعوراً طاغياً في أوساط الرأي العام العراقي بدأت تظهر أنها تفتقد إلى المصداقية، ويعود هذا الشعور السائد إلى جملة من الأسباب، بعضها يرتبط بخبرات الجمهور السابقة يوم كان الإعلام العراقي يعبر عن توجهات أحادية تتمثل في الأطر الفكرية التي كان يستند إليها النظام السابق، إذ كانت غالبية الجمهور تستقي معلوماتها من قنوات إعلامية أجنبية، وكانت لهذه الاحكام امتدادات شملت النظام الإعلامي الراهن، كما أن التناقضات الإعلامية التي وقعت فيها الحركة الإعلامية بعد سقوط النظام، والنظرات غير المتوافقة للأحداث السياسية، والتوجهات المتباينة التي انطلقت منها، جميعها خلقت انطباعات لدى الجمهور بأن الرسائل الإعلامية المبثوثة غير دقيقة وتعبر عن مصالح ضيقة للأحزاب والتيارات السياسية المالكة لتلك الوسائل، وأن مصداقيتها خفيضة، لذلك شكل شعور الجمهور بعدم مصداقية وسائلنا الإعلامية واحداً من التحديات التي تقف عائقاً أمام تلك الوسائل إذا ما أرادت العمل من أجل التغيير.
نحن اليوم بحاجة إلى إعلام متكلم، بل صاحب صوت صادح في الأفق ينقل الحدث بكل تفاصيله وحيثياته إلى المشاهد والمتلقي لا أن يترك السفينة تسير بشراع المحللين أو المنظرين كلا حسب اتجاهه، بل نحتاج قبطانا وفريقا يسير بسفينة الإعلام نحو الجهة المنشودة بعيداً عن تخبط الأمواج شرقاً وغرباً.
وهنا أريد أن أوجه رسالة إلى أصحاب القرار الصامتين وأقول لهم إن نقل الأحداث بكل تفاصيلها وحيثياتها بعيداً عن التخوف السياسي من بعض الدول لهو أحد الوظائف التي تحافظ على صدقكم، وأحد الروابط التي تصنع أطراً للمجتمع وتماسكه فالأمم تُعرف بهوياتها وتغيب شخصيتها المميزة إذا فقدت تلك الهوية، إلا أن وسائل إعلامنا فقدت التاريخ بسبب جهلها وهاهي تفقد مستقبلها وحاضرها بسبب غياب مصداقيتها في نقل واقعها.
وإذا كان ماضي الأمة مهما، فإن المستقبل أكثر أهمية، ذلك أن الأمم تحيا للمستقبل وليس للماضي، ولن يتفاعل الجمهور أو يتبنى الأفكار والعناصر الثقافية التي تشيعها الوسيلة الإعلامية، مالم تتمتع تلك الوسيلة بثقته، كما لا يمكن للوسيلة أن تحوز على ثقة الجمهور مالم تتمتع بقدر عال من المصداقية، ذلك أن الوسائل التي تشعر الجمهور بمصداقيتها، تكون الأكثر تأثيراً من غيرها، فالعلاقة بين التأثير والمصداقية علاقة عضوية، لذلك تجهد جهات الاتصال المختلفة على خلق انطباعات في أذهان الجمهور بمصداقيتها وليس العكس.
وأخيراً إن أردنا أن نحفظ حاضرنا ومستقبلنا فنحن اليوم بحاجة إلى إعلام يرى ويسمع ويتكلم، لا أن يُخرس ويعمى في ذات الوقت كما هو الحال اليوم.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن