زاكروس عربية – أربيل
يعد الروائي البرتو مورافيا أحد أعمدة الادب الايطالي خلال القرن العشرين وواحداً من الذين نقلوا لنا صوراً عن ايطاليا قبل وبعد الحرب العالمية الثانية وسلبيات الحكم الفاشي الذي أدخل إيطاليا في حرب عملت على استنزاف إمكانياتها البشرية والاقتصادية بالكامل وألقت بظلالها الكئيبة على حياة وأحلام الايطاليين.
وكنتيجة طبيعية لما حصل في إيطاليا من صدع في البنية الاجتماعية وهذا ما قرأنا عنه في جميع أعمال البرتو مورافيا حيث هاجم الفساد الأخلاقي في إيطاليا التي عاش فيها جل حياته وهو نتيجة طبيعية لما آلت إليه البلاد بعد الحرب العالمية الثانية.
حصل البرتو مورافيا على شعبية واسعة لدى جميع القراء في العالم ذلك لأن أعماله ترجمت الى عدة لغات عالمية ومنها العربية وبعضها تم تحويله الى أفلام عالمية ومسلسلات مثل فلم "احتقار" انتاج عام 1963 المقتبس من روايته "الاحتقار" التي يصنفها بعض النقاد على أنها أشهر أعمال مورافيا والتي تصور حياة زوجين في ايطاليا، قصة زوج وزوجة ينشأ بينهما أول الامر سوء تفاهم خفيف يصبح بمرور الأيام غير قابل للحل لتنتهي الزوجة الى احتقار الزوج من غير ان يدرك السبب، ويؤدي هذا الاحتقار الذي ربما كان بلا أساس إلى نتائج فاجعة، بطل مورافيا هنا كاتب مسرحي أصبح كاتب سيناريوهات سينمائية،وقد أدى استغراقه مع زوجته في هذا الوسط الجديد إلى التأثير على التفاهم الكامل الذي كان بينهما،لاسيما بعد ظهور منتج الأفلام الذي كان الزوج يعمل لحسابه،والذي يبدو أن علاقة غامضة قامت بينه وبين الزوجة،بعد الأحداث المشوقة. سيلاحظ القارئ التحليل العميق للنفس البشرية لنوع العلاقة بين الزوجين بصورة خاصة وبين الجنسين بصورة عامة وهنا تكمن براعة البيرتو مورافيا الروائية.
ولد البرتو مورافيا واسمه الأصلي البيرتو بنكيرلي في روما سنة 1907 وتوفي فيها سنة 1990 ولم يخض مورافيا في الرواية فقط إنما كتب مجموعات من القصص القصيرة وعمل في الصحافة فترة ليست بالقليلة كما كتب في السيرة الذاتية وكتب السيناريو والمسرح وله ديوان شعري نشر بعد وفاته. تعد مجموعة "حكايات من روما" الأشهر من بين القصص التي كتبها مورافيا، تدور أحداثها في العاصمة الايطالية روما وابطالها هم الممثلون وحوادثها هي مواقفهم واحلامهم المبعثرة على مسرح الحياة.
في هذا الموضوع نستعرض مقتطفات من مسيرة البرتو مورافيا الادبية وحكاية زيارته الى بغداد .
أدب المسكوت عنه
يقول الروائي العراقي خضير الزيدي ان ادب مورافيا مثل له بمثابة المدخل الاساسي لجميع الآداب العالمية وتحديداً روايته "انا وهو" كانت أول رواية مترجمة قرأها بشغف.
ويضيف "مورافيا برأيي هو واحد من الكتاب الذين شكل عندي دافعاً قوياً لتلمس الطريق نحو القراءة أولا ومن ثم الاتجاه نحو فضاءات الكتابة، كذلك فأن أدب مورافيا قد مزق ستار المسكوت عنه الاول في حياتي ذلك لأنه فتح أمامي آفاق العالم المحجوب من فلسفة الجنس والمحرمات والشخصيات القلقة في جميع رواياته والتي تعبر بطريقة أكثر حرية مما سمعت وشاهدت لأنني في حينها لم اهتم بتلك الفلسفة".
ويوضح " بعد ان تقدم بي العمر أدركت أن مورافيا قد اعتمد نظرية فرويد في تقسيم الشخصية البشرية بين الأنا العليا والسفلى وطبقة الهو، تلك الحقيقة التي غابت عني لدى قراءتي الاولى لرواية "انا وهو" في حينها لان مستويات القراءة تعد واحدة من القضايا الشائكة فهي بحاجة الى مزاج خاص ومن ثم وعي يوازي نسبيا كمية ضخ نسبة الأفكار والنظريات داخل العمل الأدبي خصوصا اعمال بأعمال مورافيا".
مورافيا في بغداد
الكاتب والمؤرخ العراق الدكتور ابراهيم العلاف أكد أن مورافيا كان يستحق نيل جائزة نوبل للآداب لكنها لم تمنح له آنذاك.
ويقول "كنا نسمع ونقرأ عن فكر جديد او مذهب جديد وفلسفة جديدة وكنا نتأثر بها لدرجة نأخذ ترديد مقولات ممثليها من الأدباء والفلاسفة والمفكرين والفنانيين حتى جاءت مؤلفات البرتو مورافيا وكانت قد ترجمت أعماله الى اللغة العربية وكشفت لنا عن افكار كانت غائبة عنا، وهنا أتذكر رواية "السأم" والتي فسر بها التاريخ تفسيرا يعتمد على السأم او الضجر، مورافيا هذا كان يستحق بجدارة جائزة نوبل للآداب".
ويضيف: "وهنا اتذكر زيارة مورافيا الى بغداد في عقد الثمانينيات بدعوة من مهرجان الامة الشعري الذي اقيم في بغداد انذاك وكان احد اصدقائي يعمل مستشارا صحفيا في سفارة العراق بروما الذي أخذ على عاتقه إيصال الدعوة الى مورافيا وفي حينها اعتذر مورافيا عن قبول الدعوة قائلا "انه لا يريد ان يكون نجما في مهرجان ويفضل لو سافر الى العراق لزيارة آثار العراق وبخاصة اثار بابل على أن يرافقه فريق تلفزيوني وسينمائي لإنجاز مشروع فيلم والكتابة عن بابل كما فعل بالنسبة الى اليمن".
ويوضح " في حينها لم تحصل الموافقة على هذا المشروع ولكن مورافيا زار العراق فيما بعد وذلك قبل ان يموت بوقت قليل حيث التقى بكتابها و صحفييها وكان احد الصحفيين سأله"كيف وجدت بغداد" فقال إن "هذه ليست بغداد" وعندما استفسر منه صحفي آخر عن ماذا يقصده قال بالحرف الواحد " انه كان يعتقد بأنه سيجد بغداد لا تزال تحافظ على طابعها المعماري القديم، طابع الف ليلة وليلة، وأنه سيعيش في اجوائها اجواء تلك القصص الغرائبية، ولم اتصور ان اجد بغداد بهذا الشكل، كنت اتصورها مدينة الف ليلة وليلة ، مدينة شهرزاد وشهريار لكن للاسف رأيتها تلبس ثوبا اخر".
ثلاث مسودات لرواية واحدة
في العام 1996 أي بعد مرور ست سنوات على وفاة مورافيا عثر صدفة على حقيبة في قبو منزله بروما وكانت تحتوي على مسودة روايته "الصديقان" التي لم تنشر وكان يعمل عليها بين الأعوام 1952 و 1959 لكنه عدل عن المحاولة وألقى بما كتبه جانبا موضوع الرواية عن الشيوعية.
المثير في الأمر أن مورافيا كتب ثلاث مسودات مختلفة عن رواية "الصديقان" ولم يصل فيها الى وضع نقطة النهاية، وكانت دور النشر في إيطاليا قد قررت طباعة الرواية في الذكرى المئوية لولادة مورافيا وتقع في 414 صفحة تضم مقاطع من المسودات الثلاث للرواية التي كتبها مورافيا دون الانتهاء منها.
الرواية تتحدث عن صديقين الأول يدعى "سيرجيو" والاخر "ماريزيو" الاول مثقف انضم حديثا الى صفوف الحزب الشيوعي ويحاول اقناع الشاب الثاني بأن يلتحق بدوره بالمنظمة".
ويرى بعض النقاد أن رواية "الصديقان" يمكن اعتبارها حالة من التأمل الأدبي والايديولوجي مع شحنة قوية من فصول السيرة الذاتية.
من مؤلفات مورافيا في مجال القصة والرواية، ففي مجال الرواية كتب رواية "السأم، الاحتقار، 1934،انا وهو، العصيان،مراهقون،المرأتان، امرأة من روما" وفي مجال القصة كتب مجموعة " حكايات من روما، دعابات في الطقس الحار، الحالمة"، ومورافيا الى جانب انه روائي وقاص فهو صحفي ايضاً حيث كان يكتب في الصحف الايطالية المعارضة للنظام الفاشي آنذاك.
وخاض مورافيا في أدب الرحلات وله كتاب بعنوان "رسائل من الصحراء" يتضمن رسائل كتبها أثناء رحلته الطويلة الى أفريقيا وهي انطباعاته وآرائه حول الشعوب الأفريقية وما كانت تعانيه بعد عقود من الاستعمار الغربي.
اعداد/ رامیار فارس اسعد
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن