إعداد وحوار / رامیار فارس اسعد
كنت وما زلت حريصاً على قراءة النتاجات الأدبية الغزيرة في الأدب الفلسطيني وربما حرصي نابع من اللحظة الأولى التي وقعت فيها عيني على ما أبدعته أنامل الشهيد غسان كنفاني من قصة ورواية ومسرح بل وأغلب ما كتبه رواد القصة والرواية في فلسطين، واليوم وبعد مرور الأعوام يبزغ نجم جديد في سماء القصة الفلسطينية ليجدد درب أدب المقاومة الذي نشأنا وتعلمنا منه الكثير.
إنها الفلسطينية رحاب يوسف ومجموعتها القصصية الجديدة "شقائق النعمان" الصادرة عن دار دجلة موزعون وناشرون.
المجموعة تقع في 110 صفحات من القطع المتوسط وتضم خمس عشرة قصة قصيرة قدمتها الكاتبة كتجربة أولى لها في عالم القصة القصيرة.
من القصة الأولى "ليلة مثلجة في القدس" وصولاً للقصة الأخيرة "اللعنة الأولى" نقلت لنا رحاب يوسف صورة واضحة المعالم دقيقة التفاصيل عن الحياة الفلسطينية، صورة عن الحياة تحت نير الاحتلال الصهيوني، عن هؤلاء الناس البسطاء الذين تركوا قراهم وسكناهم وما يملكون ليحملوا معهم الذكريات فقط،أنها قصص عن كفاح وصمود الإنسان الفلسطيني، عن واقعه الاجتماعي والتربوي والأسري.
عالجت الكاتبة رحاب يوسف في المجموعة القصصية عدداً من المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني وبقية المجتمعات العربية الأخرى.
عن المجموعة القصصية الجديدة "شقائق النعمان" وشؤون أخرى كان هذا الحوار مع الكاتبة الفلسطينية وابنة قرية رامين في محافظة طولكرم رحاب يوسف:
كيف بدأ اهتمامك بالأدب ومتى كانت البداية؟
رحاب يوسف: بدأ اهتمامي بالأدب عموماً منذ دراستي اللغة العربية وآدابها في جامعة النجاح الوطنية؛ ثم من خلال تحليلي الأدب الفلسطيني المقاوم والذي تجسده روايات الأديب الكبير غسان كنفاني، وقصائد محمود درويش وغيرهما داخل الغرف الصفية في المدرسة.
الاهداء كان موجهاً الى "عبقري الأبوة" بماذا تصفين تأثيره على حياتك الادبية؟
رحاب يوسف: أبي حبيبي- رحمه الله- كان له التأثير الأكبر؛ فهو من دفعني إلى دراسة الضاد، بل وأجبرني عليها، كان شغوفاً باللغة العربية ، فألف أشعار الأوف والعتابا والميجانا، وأشعار المربعات والمخمسات.
لفتت انتباهي السؤال الأخيرة من قصة "ليلة مثلجة في القدس" كيف يمكن لبشر أن يجرؤ على إسقاط حمامة بيضاء تهدل بالحب والسلام"؟.
رحاب يوسف: أخشى على الأجيال القادمة من القسوة التي طغت على البشر في ظل فقدان الإنسانية وطغيان المال والتكنولوجيا، كل إنسان معرض لما تعرضت له فاطمة في قصة (ليلة مثلجة في القدس) ليس من الاحتلال فقط بل فئات متعددة.
في قصة " الليل لوني" تناولت قضية العنصرية مع ذوي البشرة السوداء، ما السبيل لحل هذه الإشكالية؟ وبالأخص في المجتمع الإسلامي؟
رحاب يوسف: هذه قضية شائكة قائمة منذ مئات السنين، يعاني منها من يعرف با لملون، والمنطقة العربية من محيطها الى خليجها تعج بمختلف أنواع العنصرية، كلنا نعرف معاناة عنترة، وكيف انكره والده لسواد بشرته، أما في الولايات المتحدة فتاريخها حافل بالحوادث العنصرية،والأحداث الأخيرة في شهر (مايو) 2020 والتي توفي فيها (جورج فلود) على أيدي الشرطة دليل على ذلك.
في قصة "المطلقة" ركزت على نظرة المجتمع القاسية على المرأة المطلقة، لماذا دائماً ما تكون نظرة المجتمع قاسية تجاه المطلقة؟
رحاب يوسف: المجتمع العربي يعاني من جملة من الموروثات، والعادات، والتقاليد رغم هشاشتها والتي تتمظهر أساساً حول نظرة الرجل إلى المرأة المنفصلة، وتعدها درجة دونية على جميع المستويات، الاقتصادية، والدينية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية، وتصفها كائناً ضعيفاً خانعاً، تابعاً، وتعدها كياناً مستلبا فاقداً أهليته، وأكبر إشكالية تواجهها المرأة المطلقة نظرة بنت جنسها لها، نظرة لا رحمة فيها ولا هوادة، تظن أن الزواج هو محور الحياة؛ لذا جاءت نظرة المجتمع تجاه هذا الضلع الحساس قاسية جداً، فهو يراها متمردة على الذكورية والعادات والتقاليد.
هل مزجت ما بين الخيال والواقع الفلسطيني المعاش في مجموعة "شقائق النعمان"؟
رحاب يوسف: جميع بطلات قصص مجموعة (شقائق النعمان) من الواقع باستثناء (مجنونة قطعة الحلوى) من محض الخيال، والبطلات سيتعرفن على أنفسهن إذا قرأن المجموعة.
مشكلة عقوق الوالدين في قصص "الحاجة "صفية" و "لفة مريمية" و "في غرفة منعزلة" و "اللعنة الأولى" كيف السبيل لحل هذه المشكلة؟
رحاب يوسف: السبب يعود إلى ثقافة وتربية ودين زوجة الابن، الحل اختيار الزوجة الصالحة.
هل أستطيع القول بأن رحاب يوسف تنتمي إلى أدب المقاومة ؟
رحاب يوسف: لقد ولد قلمي من رحم القضية الفلسطينية والطبيعة والبيئة والتربية والتعليم؛ لذلك أنا بنت الأدب المقاوم والأدب الإنساني.
"الحياة يا أبي، الحياة، المتني فعلمتني" ترى متى آلمتك الحياة و ماذا علمتك؟
رحاب يوسف: الحياة خذلتني في محطات كثيرة، وآلمتني، فعلمتني، فكان هذا الألم مدادا لقلمي... سئل دوستويفسكي كيف يمكن أن يصبح المرء كاتباً؟ أجاب : أن يتعذب ، أن يتعذب، أن يتعذب، أن يتعذب، وأنا ككاتبة أشفق عليه؛ لأنني أعرف ما يعنيه، على الكاتب أن يعيش الحياة بإنسانية، يتجرع مرها وعذابها مراراً وتكراراً، فيشعر بغيره من المعذبين، وتتحد آلمهم؛ فتكون مداداً لقلمه.
للطبيعة تأثير على الكاتب، كيف تعاملت مع الطبيعة من خلال كتاباتك الادبية؟
رحاب يوسف: أنا بنت الطبيعة، و منحازة لها جداً، ووثقتها بكل تفاصيلها في مجموعتي، والسبب كنت صغيرة عندما فتنتني الطبيعة بجمال تلالها، وهضابها، وسهولها، حيث رعشة السنابل الخضراء، حين تلامس وجهي، وأنا أركض بين ثناياها بلطف، وبين شقائق النعمان التي تطل كحسناء على نغمات ربابة الرعاة، كانت حياتي خالية من البشر، مليئة بالسكينة والهدوء، واليوم أيضا خالية إلا من ضجيج المعارف.
النهاية، من أسس القصة أحياناً تكون مؤلمة وأحياناً أخرى مفعمة بالآمال كيف تنتقين النهاية لدى كل قصة؟
رحاب يوسف: بعث لي أحد القراء رسالة مفادها "لم أستطع إكمال المجموعة، بسبب وتيرة الألم العالية" رددت عليه : هذا الواقع الفلسطيني، الاحتلال فرض عليه ظروفاً صعبة لم تكن بالحسبان قبل احتلاله لأرضنا.
كيف تجدين السعادة في الأوقات العصيبة؟
رحاب يوسف: دون مبالغة تمر عليّ لحظات أكون فيها على حافة الهاوية، بسبب ما يحيط بنا من أحداث، فألجأ الى الله وبر الوالدين وسماع القرآن الكريم، وابتعد عن الكتابة لفترة قصيرة.
الى أي مدى يستطيع الكاتب سواءً القاص أو الروائي أن يكون حيادياً تجاه شخصياته؟
رحاب يوسف: بالنسبة لي أنحاز بكل حواسي للبطلة، وأتوحد معها وكأني هي، لتخرج الكتابة من أعماق أحشائي، فيشعر القارئ بصدق الإحساس، وبسبب ذلك تغزوني موجة اكتئاب أتعافى بعد أشهر من نشر العمل.
القارئ لكتاباتك يلاحظ مدى جمال التعبير والوصف الدقيق واللغة السلسة البعيدة عن التعقيد، هل كل ذلك كان نتيجة تجربة أم الإلهام ؟
رحاب يوسف: من كليهما، إضافة إلى براعتي- الحمد لله- في العزف على الحروف، وتحميلها ما لا يحتمل.
أديب قريب على قلبك؟
رحاب يوسف: أقرب أديبين إلى قلبي دوستويفسكي ومصطفى محمود، يشبهاني كثيراً في الفلسفة والفكر والثقافة واللغة.
عمل أدبي ترك تأثيره على رحاب يوسف ؟
رحاب يوسف: جميع الاعمال الأدبية محببة إلى قلبي، لكن أكثرها قرباً قصة " في قبوي" لدوستويفسكي او "رسائل من تحت الأرض" حسب الترجمة.
هذا وقد قد صدر للكاتبة ثلاثة كتب تربوية تعليمية ثقافية فلسفية بعنوان "آمن بذاتك" و "حديث المساء" و "داخل الغرف المغلقة" قائمة على عصارة تجارب وأدلة من أمهات الكتب الهدف منها بناء الطالب نفسياً وفكرياً ووجدانياً ولغوياً وثقافياً، كذلك هي بصدد العمل على كتابة رواية جديدة.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن