زاكروس عربية - أربيل
في مثل هذا اليوم وقبل أربعة عقود، أعلن عن نهاية الحرب العراقية - الإيرانية، ففي مثل هذا اليوم انتهت الحرب بين البلدين، وطوت أخرى صفحاتها السوداء الموسومة بالآلام والمأسي والدموع والدماء، الحرب التي بينت بوضوح أن الخاسر الوحيد في الحرب هو الشعب ولا منتصر في الحقيقية بعيداًعن طموح الساسة وشعاراتهم البالية.
والرواية كغيرها من أنواع الأدب والفنون كان لها الدور الأكبر في سرد حكايا وقصص الحروب والجبهات وهنا لا نقصد الرواية التي كان يكتبها الأدباء المأجورين من قبل السلطات وكان هدفهم واحد وهو بث العزيمة في نفوس أنهكتها الحروب وهدها الشوق والحرمان ولا أولئك الأدباء الذين كان ديدانهم تمجيد الرصاص والنار، وكأن الحرب ضرورة من ضرورات الحياة وعلى هذا الشعب أن يخوضها رغماً عن انفه.
ففي الوقت الذي كنا نجد فيه مثل هكذا أدباء وأعمال تسمى أدبية، نرى أدباء على نقيض كبير من هولاء، أدباء طالما كتبوا عن معاناة الحروب ومآسيها وما يؤول إليه مصير من اشتركوا فيها، أدباء بينوا لنا عمق الآلام الإنسانية ومدى بشاعة القرارات التي تتخذ بسرعة الضوء و بحماسة منقطعة النظير لنحصل على نتيجة معروفة سلفاً وهي ضحايا بالملايين ما بين قتيل وفقيد ومعاق.
الرواية العراقية كغيرها تناولت موضوع الحرب العراقية الإيرانية من جوانب متعددة ومهما اختلفت موضوعاتها لكنها تتفق على أن الحرب ستبقى المأساة الأشد إيلاماً على الإنسان العراقي والتي لا يمكن أن يمحوها النسيان حتى وإن حل الصمت محل صوت المدافع والدبابات.
الكثير من كتاب الرواية العراقية نسجوا حكاياهم عن واقع الحرب العراقية - الإيرانية وصوروا مشاهدها المروعة، مشهد الجنود وهم يساقون لحتفهم من بين أحضان الأمهات ودفء البيوت أو ذلك الجندي وهو يلملم أجزاء زميله بعد قذيفة اختار لها القدر هذا المكان أو نيران المحرقة وهي تلتهم أطراف الجنود المبتورة أو ذلك الضابط وهو ينهال ضرباً على جندي لأنه عصى الأوامر عن غير قصد، أو فرقة الإعدامات ورصاصها يمزق أحلام الهاربين قبل أجسادهم، او ارملة حرب تحاصرها الدموع ونظرات الناس التي لا ترحم، ونقلوا الى مسامعنا أصوات شخوصها سواء الأم وهي تودع وحيدها بطائفة من الادعية او الحبيبة وهي تبكي على صدر حبيبها ودموعها تبلل ملابسه العسكرية عند عطفة الزقاق بعد منتصف الليل أو بكاء ذلك المولود الذي يخرج للدنيا وأبيه قابع بين السواتر وازيز الرصاص بانتظار الموت أو ضحكات هولاء الجنود بعد جولة انتصروا فيها على الموت بصورة مؤقتة.
في هذا الموضوع سنقدم مجموعة من الأعمال الروائية العراقية التي تحدثت عن جوهر ذلك العبث الذي يسمى الحرب، وجميع تلك الأعمال كتبت إما خلال حرب الثمان سنوات أو بعدها وظلت حبيسة الأدراج لسنوات طوال لأنها لم تر النور إلا بعد العام 2003 عام تغيير النظام، جميع تلك الأعمال نقلت صورة مغايرة عن تلك التي كان ينقلها أدباء الصدفة والمأجورين من قبل سلطات النظام من الذين كانوا يمجدون الحرب بكتاباتهم الروائية والقصصية، وانتقدت جحيم الحرب وعسكرة المجتمع إلى ما لا نهاية وكمية اللاجدوى من حرب هدفها تدمير البلاد والعباد، وهذا ما كان محظوراً في زمن النظام السابق.
رواية "المحرقة" من الروايات التي لم تأخذ نصيبها حسب آراء النقاد، هذه الرواية للروائي العراقي قاسم محمد عباس الصادرة عن دار المدى 2010، إنها قصة الطالب الجامعي "مروان" يطلب منه والده، في لحظة عصبية التخلي عن دراسته والالتحاق بوحدة عسكرية في البصرة هرب منها أخوه "غسان" أي أن عليه أداء دور غسان في الجيش خشية انتقام السلطة من العائلة والذي بدوره يتم معاقبته بسبب تغيبه بالسجن ليتم إبعاده للعمل في المحرقة، والمحرقة فرن مشتل بدرجات حرارة عالية وظيفتها إحراق الأعضاء البشرية المبتورة في الحرب وتحويلها إلى رماد... هنا تبدأ حكاية مروان أن ما يرميه ليس أجزاء بشرية بقدر ما يرمي رغبات وأحلام وافكار ومشاعر أصحابها. وهنا يتضح لنا عبثية الحرب ومن هو الخاسر فيها، مروان يقوم بعمله كل يوم وهو يعلم أنه يخسر جزاء من ذاته بسبب هذه الحرب.
رواية "الحرب في حي الطرب" للروائي العراقي المقيم في ألمانيا نجم والي والصادرة عن دار الرافدين، الرواية تحكي قصة مجموعة من الشباب العراقي أثناء الحرب العراقية - الايرانية، شباب سيقوا ليصبحوا جنوداً في خدمة مشروع الوطن والقائد، شباب لا يرغبون بالموت لكنهم جنود حرب وقد ينفجر عليهم لغم او تسقط عليهم قذيفة في اي لحظة تضيع حياتهم وأحلامهم كما ستضيع اجيال لاحقة عاشت في وطن يمجد ويقدس العسكرة والحرب. "الحرب في حي الطرب" كتبت عام 1985 أي قبل نهاية الحرب بثلاث سنين وتعد فاتحة موفقة للروائي نجم والي في أدب الحرب.
رواية "57" للكاتب العراقي المغترب، زيد عمران، الصادرة عن دار الحلاج، اتسمت بنقلات سردية بين الماضي والحاضر، الماضي المثخن بجراح الحروب والحاضر الذي يلفه الظلام. رسم الكاتب من خلال الرواية صورة معبرة عن محاولات الحب البريئة التي أجهضتها الحروب العبثية ابتداءً من الحرب العراقية الايرانية وحتى اليوم، وصور الجنود العائدين من جبهات القتال بأذرع واقدم منقوصة وقلوب تشظت من لوعة الفراق.
"أساتذة الوهم" للروائي العراقي علي بدر الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، إنها رواية الشعر والشعراء في زمن الحرب العراقية الايرانية، تدور أحداثها في بغداد عام 1987 وتتحدث عن مجموعة من جنود شعراء يقتلون جميعهم أثناء الحرب الا واحد يروي الأحداث في العام 2003 أي بعد عقد ونصف من انتهاء الحرب.
الشاعر المتبقي على قيد الحياة يتسلم رسالة من طالبة تدرس الادب الروسي وتريد ان تعقد مقارنة بين شعراء روس من ضحايا الفترة الستالينية مع شعراء عراقيين عاشوا الثمانينيات أو قتلوا في الحرب. الرواية تتناول فكرة أن الحرب تدمر كل شيء جميل فهنا شعراء يقتلون الواحد تل والاخر في حرب لم يكونوا طرفاً فيها سوء انهم خلقوا في هذا الوطن، كما وتبرز مفهوم الشعر والحب والموت وكتابة التاريخ الأدبي على خلفية حياة الشعر والشعراء.
القارىء في العراق اليوم بات يتجه للرواية أكثر من القصة وبقية الانماط الادبية الاخرى وبالاخص الفترة التي تلت سقوط النظام حيث برزت على الساحة أعمال روائية عراقية ونالت بعضها جوائز عربية، أعمال روائية كانت محجوبة عن النشر بسبب الرقابة الصارمة التي فرضتها أجهزة النظام سواء التي كانت تتحدث عن حرب الثمانينيات وما أعقبها من حروب وأحداث غيرت من مجرى تاريخ العراق الحديث المعاصر. أن الرواية على العكس من كتب التاريخ تتيح للقارئ أن يلمس أثر الحروب على الأفراد وأن يستمع للمقهورين الذين ادخلوا الحرب عنوة من قبل أن يستوعبوا خصمهم ولأجل ماذا ولمن يحاربون لدرجة ظل أنينهم وصرخاتهم مكبوتة حتى احتوتها الرواية؟
إعداد: راميار فارس
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن