بقلم: حسام الغزالي
لا يصنف هذا الكتاب ككتاب أدبي أو كتاب مدح سياسي، فالقارئ سيرى نفسه أمام دراسة سياسية من نوع جديد إن صح التعبير، إذ هدف الكاتب إلى سرد بعض الأحاديث والوقائع التي كان شاهداً عليها حين عمل جنباً إلى جنب مع الزعيم الكوردي "مسعود البارزاني"، ليحاول أن يدمج بداية بين الحالة السياسية لوالده "الملا مصطفى البارزاني" وبين الحالة السياسية التي أكملها ابنه "مسعود البارزاني".
فبداية يسرد المؤلف قصة كانت تشككه نوعاً ما في القرارات التي اتخذها الزعيم الكوردي مسعود البارزاني، وحين أراد معرفة أسباب هذه القرارات التي كان مبدأها مدّ يد العون للأصدقاء وللأعداء مع التسامح السياسي لأعداء القضية الكردية، سرد على مسمعه "مسعود البارزاني" قصة حول أن على كل كائن على هذه الأرض أن يتعامل مع الآخرين بحسب طبيعته، وليس بحسب طبيعة الآخرين، ثم ومع مرور الأيام عرف المؤلف كيف أن جميع القرارت السياسية أو الإنسانية بحسب ما وصفها، كانت صحيحة، ليبدأ بكتابة كتابه هذا موضحاً أن هذه القصة كانت المحفز الأكبر له ليشرع في تأليف ما كتب، وذلك بعد أن وصل إلى قناعة كاملة أن هذا الزعيم الكردي وصل اليوم إلى مرتبة عليا في السياسية الإنسانية بحسب وصفه، تخوله أن يكون مرجعاً سياسياً وملجأ إنسانياً، برمزية أقرب للمصلحين والقادة، من كونه رئيساً.
الكتاب برمته ينقسم إلى فصلين أو جزئين، مع فصل ملحق للفصل الثالث، إذ يبين في الفصل الأول قراءة نقدية لأغلب الحالات السياسية والقرارات والمقابلات التي أوصلت الزعيم البارزاني لأن يكون مرجعاً سياسياً، لكن أشار الكاتب عدة مرات إلى فضل "الملا مصطفى البارزاني" في زراعة هذه المزايا في ولده قبل وفاته، ولربما أراد الكاتب هنا أن يقول لنا إن مسعود البارزاني نجح في أن يحافظ على وصايا والده السياسية؛ وهذه الوصايا هي التي جعلت "مسعود البارزاني" يصل إلى درجة المرجعية السياسية.
لكن المؤلف لم يغفل عن نقد السلطة السياسية خاصة حين أشار بصورة غير مباشرة إلى أن التسامح السياسي بين الكورد أنفسهم قد يؤخذ بصورة لا يُحسب لها حساب، إذ بين أن بعض الأحزاب أو بعض الشخصيات السياسية كانت ترى بسياسة التسامح ضعفاً، ليشير إلى أن التسامح قد لا ينفع مع الجميع أو أن من سياسة التسامح الدائمة قد تعطي تصوراً أن معطي التسامح الدائم هو شخص ضعيف، ولهذا أراد المؤلف في بعض المواضع أن يقول إنه لا تسامح مع من يخون القضية كان من كان.
لكن هناك أمراً أشار المؤلف إليه بصورة جديدة وتعتبر أول إشارة سياسية وأخطرها نحو قضية الاستفتاء، والتي لم يسلط الإعلام الضوء عليها، فالإعلام السياسي والإقليمي والمحلي رأى أن عملية الاستفتاء كانت ورقة خاسرة بالنسبة للقضية الكردية، أو أنها لم تكن موفقة، أما الكاتب في كتابه "الملجأ والمرجع" فقد فرق بين "الاستفتاء" و"الاستقلال" وليشير بشكل جديد أن الاستفتاء الذي أجراه مسعود البارزاني كان عبر مسارين، المسار الأول وهو أن الكورد عامة والبيت البارزاني خاصة أرادوا إطلاق مشروع الاستفتاء كعملية استقراء إقليمية ودولية، وذلك من أجل معرفة ردة الفعل الدولية والمحلية الحقيقية تجاه استقلال الكورد، والذي يعتبر أول استقلال سياسي كوردي في العصر الحديث، فالخطابات الرنانة لبعض حلفاء الكورد والوعود الدولية كلها تبقى كلاماً، بينما عملية الاستفتاء التي أجراها البارزاني كانت كخارطة طريق تمهيدية لمعرفة ماذا يضمر المجتمع الدولي والسياسي للكورد، وهنا أراد المؤلف القول إن الاستفتاء لم يكن قراراً خاطئاً، وإنما كان قراراً صحيحاً كشف مواقف أغلب المجتمع الدولي المُضمرة ضد هذا القرار، وهنا عرف الكورد كيف ستكون خارطة الطريق الصحيحة مستقبلاً من أجل الوصول إلى الاستقلال، وأظهر أن الكثير من الدول دعمت قضية الاستقلال كلاماً وخانتها فعلاً، وهنا كان دور الاستفتاء أنه أظهر الحقائق دون تزييف، ولو أنهم أجروا الاستقلال دون استفتاء خارطة الطريق، لكانت الخسائر أكبر وأعظم، فالمؤلف أراد القول إن مشروع الاستقلال مستمر ومشروع الاستفتاء كان ورقة بيانات لا أكثر، والاستفادة التي حصلت القيادة الكردية عليها من هذا الاستفتاء كبيرة جداً، فيكفي أنها عرفت كيف هو طريق الاستقلال الصحيح.
أما الفصل الثاني فقد سلط المؤلف الضوء على مسعود البارزاني كملجأ إنسانياً، ليوضح كيف أصبح إقليم كردستان خيمة لجميع الشعوب الفارة من الموت، فمن جانب أول كان الإقليم خيمة لجوء للشعوب العراقية بمختلف طوائفها جراء الحرب الكبيرة على تنظيم الدولة الإسلامية ما يعرف بداعش، وهنا كان الإقليم وبقرارات خاصة من مسعود البارزاني الملجأ الحقيقي والآمن لهؤلاء، ثم أوضح كيف أن الإقليم استقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين جراء الحرب في سوريا، وكيف فتح لهم أبوابه وقدم لهم جميع المساعدات المطلوبة..
وهنا أيضاً أشار المؤلف إلى نقطة حساسة في سياسية البارزاني كملجأ، إذ بين أن الزعيم الكردي ربط سياسة بلاده الإنسانية مع المنظمات الإنسانية الدولية المعترف بها لدى منظمات حقوق الإنسان، متجاوزاً الطائفية والقومية التي تتخذها بعض الحكومات وبعض الدول كما لدى الحكومة العراقية المركزية، فكانت سياسة اللجوء الإنساني في إقليم كردستان مختلفة شكلاً ومضموناً عن سياسة الحكومة المركزية، لتُشيد حينها معظم منظمات المجتمع المدني والإنساني، أن أربيل سارت وفق مسارات الدول المتقدمة والحضارية في ملف حقوق الإنسان.
ليرى المؤلف أن هذه الخطوات كفيلة في جعل الزعيم الكردي "مسعود البارزاني" ملجأ إنسانياً يُحتذى به.
أما في فصل الكتاب الثالث، فهنا توجه المؤلف إلى أكثر القضايا تعقيداً في السياسة الإقليمية؛ وهي قضية كركوك، ليبدأ أحداث كركوك من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وكيف أن الملا مصطفى البارزاني فاوض وقاتل من أجل هذه المدينة رغم أنها كانت مدينة فقيرة ولم تكن ثرواتها معروفة في إشارة منه إلى سياسة الحضن البارزاني ضد التغيير الديمغرافي الذي أوجدته الحكومات فقط من أجل الهيمنة على الثروات.
فالمؤلف أراد القول هنا إن كركوك ليست قضية مسعود البارزاني فقط أو قضية سياسية طارئة، بل هي قضية كردية لجميع الكورد في العالم، وأن العائلة البارزانية أباً عن جدّ دافعت وقاتلت من أجلها، لتكون كركوك هي قبلة القدس بالنسبة لجميع الكورد.
فكتاب سعد الهموندي (مسعود البارزاني المرجع والملجأ) هو كتاب مواقف تاريخية سياسية، كتاب يعتبر من الكتب المهمة في توثيق أحداث ومواقف نادرة، فقد أثبت أن "مسعود البارزاني" قد أجاد دوره الذي قام به في كل تلك السنوات، ومنح الفرص الكبيرة للكثيرين، فصنع جيلاً من السياسيين المثقفين مُرمماً ثقوب الصراعات الشرق أوسطية والتي لربما لم ولن تنتهي.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن