زاكروس - أربيل
أكد الرئيس مسعود بارزاني على وجوب العمل على بناء دولة المؤسسات، وألا تصبح "الدويلات" داخل الدولة عائقاً، كما شدد على تطبيق المادة 140 وألّا تُهمل بعد الآن.
وشدد في كلمة له خلال مشاركته في منتدى الشرق الأوسط للأمن والسلام MEPS ، المنعقد في محافظة دهوك اليوم الثلاثاء، على ضرورة إقرار قانون النفط والغاز بما يتوافق مع الدستور.
وأشار إلى ضرورة العمل على تأسيس المجلس الاتحادي وفقاً للمادة 65 من الدستور، مبيناً "لأن هذا ضرورة، وهو ضمان لكل من الإقليم وجميع المحافظات".
الرئيس بارزاني نوّه إلى وجوب تأسيس المحكمة الاتحادية وفقاً للدستور ووفقاً للمادتين 92 و 93، وقال "يجب القيام بكل هذه الأمور المتوافقة مع الدستور، ولكن يجب القيام بها وعدم تأجيلها، لأن عدم وجود هذه المؤسسات قد يكون سبباً في العديد من المشاكل".
وفيما يتعلق بوضع الإقليم، طلب الرئيس بارزاني "مرة أخرى" من جميع الأطراف الكوردستانية تشكيل حكومة إقليم كوردستان، معرباً عن أمله أن يتم تشكيل الحكومتين (الاتحادية وكوردستان) معاً للحفاظ على توازن الجميع.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس بارزاني:
أرحب ترحيباً حاراً بالجميع وأعتذر إن لم أتمكن من ذكر جميع الأسماء، ولكن أهلاً وسهلاً بكم جميعاً.
يُعقد هذا الملتقى في وقت حساس للغاية، حيث تكثر الأزمات في جميع أنحاء العالم، ولكن بشكل خاص في منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط، هناك أزمات كثيرة وخطيرة للغاية، ونأمل أن تكون مثل هذه الملتقيات مساعدة في إيجاد طرق لحل تلك الأزمات.
بعض الأحداث تُحدث تغييرات كبيرة، أو تصنع تاريخاً جديداً، كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى، فقد أحدثت اتفاقية سايكس بيكو تغييراً كبيراً في المنطقة، والنظام الذي تأسس بموجب اتفاقية سايكس بيكو، للأسف، لم يجلب الأمن والاستقرار للمنطقة، بل خلق مشاكل كبيرة لنا، وحتى اليوم ما زلنا نحن جميع الشعوب في هذه المنطقة الشرقية نعاني من تلك الاتفاقية. لذلك، رأينا هو أن نفكر نحن شعوب المنطقة في أين تكمن المشكلة، وأن يتم حلها، ليس من المعقول أن نعيش معاً ونتنافر وتكون هناك مشاكل بيننا، إذا وجدنا مشاكلنا، سيكون الحل سهلاً جداً إذا توفرت النية.
من الطبيعي جداً أن تحدث الأخطاء، ولكن الاستمرار في الخطأ جريمة. سياسة فرض الذات والهيمنة على جميع المجالات لم تنجح، لا عندنا في العراق ولا في أي بلد من بلدان الشرق الأوسط، وقد تضرر الجميع. الأجيال القادمة بحاجة إلى أن تعيش حياة سعيدة ومزدهرة، والمشاكل التي عشناها نحن ومن سبقنا ورأيناها، من الحق ألا نتركها للأجيال التي تأتي بعدنا.
لقد تأسست الدولة العراقية بعد الحرب العالمية على أساس الشراكة. بعد ذلك، في ثورة 14 تموز عام 1958، كُتبت فقرة في الدستور المؤقت آنذاك مفادها أن (العرب والكورد شركاء في هذا الوطن)، وهذا أعطى قوة أخرى لكل من العراق وخلق جواً في العراق وكوردستان لكن لم تستمر، في 11 آذار، تم التوصل إلى اتفاق بين ثورة أيلول والحكومة العراقية آنذاك، لفترة ما ثم فشل مرة أخرى. وكانت النتيجة أننا رأينا ما حدث، القصف الكيميائي، الأنفال، وتدمير القرى. لم تفوت قيادة الثورة فرصة واحدة للحل السلمي. في عام 1963، ودون التفكير في من كان يحكم بغداد آنذاك، كلما سنحت فرصة للسلام، اتجهنا نحوها، في أعوام 63، 64، 66، 70 حتى 91، أثبتنا ككورد أننا دعاة سلام، لن ننسى ما حل بنا، لكننا لم نسعَ للانتقام، لأننا نعلم جيداً أن أخوتنا مع العرب والمكونات الأخرى أعلى وأقوى بكثير من تلك الخلافات أو الجريمة التي قد ترتكب من قبل حكومة، فالخلاف مع الحكومة شيء والأخوة والصداقة والوئام بين الشعوب شيء آخر
سنحت لنا جميعاً فرصة ذهبية بعد سقوط النظام في عام 2003، وتم اتخاذ خطوات على ثلاثة أسس: (الشراكة، التوازن والتوافق). في عام 2005، وُضع دستور للعراق، وكنا نعلم حينها أن هذا الدستور به بعض النواقص، لكن إذا قارناه بالدساتير السابقة وبالدساتير المحيطة بنا، فهو دستور متقدم جداً وإيجابياته أكثر بكثير، وقد وضع الدستور نفسه آليات لحل أي نواقص أو قصور. في اليوم الذي اكتمل فيه الدستور، عدت إلى أربيل، وقلت إن هذا الدستور ليس كل ما نريده، ولكنه يحتوي على الكثير مما يمكننا أن نفخر به، إنه يأخذ العراق إلى مرحلة أخرى. لقد نظم العلاقة بين الإقليم والحكومة الفيدرالية، لذلك هو دستور كنا ندعمه في ذلك الوقت والآن وفي المستقبل أيضاً.
بصراحة، يجب أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: هذه المشاكل كلها، هل هي خطأ الكورد أم خطأ الحكومة؟ أنا لا أبرئ أياً من الطرفين، ولكن بالتأكيد الذي لديه السلطة والإمكانيات والقوة، فإن الخطأ الأكبر يقع على عاتقه. لقد عانينا الكثير من الألم، وسُفكت دماء كثيرة، والفرصة التي أتيحت في عام 2003، لا تزال قائمة ويجب ألا نضيعها. لدينا دستور ونحن ملتزمون به، وهو دليل لكيفية حل أي مشكلة قد تنشأ. نأمل أن تفتح الانتخابات التي جرت قبل أيام قليلة الطريق للعودة إلى مسار صحيح وأن تعود العملية السياسية في العراق إلى مسارها الصحيح والسليم حتى لا تبقى أي مشكلة بيننا.
أجد من المناسب هنا أن أعبر عن سعادتي بعملية السلام التي بدأت في تركيا، وقد دعمناها بقوة وسنستمر في دعمها، ونأمل أن تصل إلى الأهداف التي فيها خير للجميع. كما سنحت فرصة ذهبية لسوريا أيضاً، ونأمل أن يتمكن الكورد وجميع مكونات سوريا من حل المشاكل بشكل سلمي وديمقراطي، سواء فيما بينهم أو مع الحكومة الحالية، والتوصل إلى اتفاق يعيشون بموجبه حياة سعيدة معا.
أيها السادة الكرام،
في الحادي عشر من تشرين الثاني، جرت انتخابات مهمة جداً في العراق. أجد من الضروري هنا أن أهنئ الشعب العراقي بأسره على هذه الانتخابات، فقد كانت ناجحة جداً من الناحية الفنية. للمعلومة، في الانتخابات السابقة، ذهبت وكانت فرصتي الأخيرة لمعرفة ما إذا كان إصبعي سيُقرأ أم لا؟ وإلا، لو لم أكن لأصوت، لكانت العملية معقدة جداً. لكن هذه المرة، انتهى كل شيء في دقيقة واحدة. ما رأيته من الناحية الفنية كان منظماً جداً جداً، والحمد لله لم أسمع في أي مكان، لا في الجنوب ولا في أي مكان آخر، عن وقوع أي مشاكل من شأنها أن تعكر هذا الجو الجميل. كل هذه الأمور تستحق الثناء، سواء للحكومة الفيدرالية أو للشعب العراقي بأسره، ولحكومة الإقليم، وأهنئ الجميع.
أرى أنه من الضروري جداً أن يكون هذا حافزاً لاتخاذ خطوات جدية بعد هذه الانتخابات. أحد هذه الخطوات هو تعديل قانون الانتخابات، فبرأينا، القانون الذي أجريت به هذه الانتخابات ليس عادلاً وبه الكثير من النواقص، فقد ضاعت حقوق الكثير من المستحقين وحصل عليها غير المستحقين. سنعمل بجد مع جميع الأطراف الأخرى لتعديل هذا القانون، حقيقةً لم يكن فيه أي عدالة.
النقطة الثانية: العمل على تأسيس المجلس الاتحادي وفقاً للمادة 65 من الدستور، لأن هذا ضرورة، وهو ضمان لكل من الإقليم وجميع المحافظات.
النقطة الثالثة: تأسيس المحكمة الاتحادية وفقاً للدستور ووفقاً للمادتين 92 و 93، يجب القيام بكل هذه الأمور المتوافقة مع الدستور، ولكن يجب القيام بها وعدم تأجيلها، لأن عدم وجود هذه المؤسسات قد يكون سبباً في العديد من المشاكل.
المادة 140 يجب أن تُطبق ولا تُهمل بعد الآن، ويجب إقرار قانون النفط والغاز بما يتوافق مع الدستور، والذي كان سبباً في العديد من المشاكل التي حدثت بين الإقليم وبغداد والتي ما كانت يجب أن تحدث أصلاً. لقد كُتب هذا القانون وأُعد عام 2007، لا أرغب في الخوض في التفاصيل، ولكن كان يجب علينا القيام بذلك في ذلك الوقت، وتأجيله حتى الآن كان خطأً كبيراً، ولكن من هنا نأمل أن يتم تطبيق هذا القانون وإكماله
يجب أن نعمل جميعاً على بناء دولة المؤسسات، وألا تصبح "الدويلات" داخل الدولة عائقاً وتخلق المشاكل، وأن يسود القانون، وأن يعرف كل مواطن حقوقه وواجباته، وأن يتم التركيز بشكل أكبر على الخدمات في جميع أنحاء العراق.
أعتقد أن شعبنا كله في كوردستان والوسط والجنوب قد تعب من الشعارات، فقد سمعوا الكثير من الشعارات، والناس يريدون أفعالاً، يريدون كهرباء، يريدون طرقاً، يريدون مستشفيات، يريدون تعليماً صحيحاً وسليماً. نأمل أن يتجه الجميع نحو تحسين مستوى معيشة شعبنا، وهذا سيعطي نتائج جيدة.
فيما يتعلق بوضع الإقليم، فقد مر عام وشهر على الانتخابات هنا أيضاً، وبعد إعلان نتائج الانتخابات مباشرة، طلبنا من جميع الأحزاب التي فازت بمقاعد أن تأتي لتشكيل حكومة ذات قاعدة واسعة، لكنهم لم يأتوا. آمل أن تكون الانتخابات الفيدرالية التي جرت حافزاً مرة أخرى، وأتقدم بهذا الطلب مرة أخرى إلى جميع الأطراف الكوردستانية للعودة وتشكيل حكومة إقليم كوردستان. آمل أن يتم تشكيل الحكومتين معاً للحفاظ على توازن الجميع.
آمل أن تستمع الأطراف الكوردستانية جيداً لخطابي هذا، فالظروف الحالية بعد الانتخابات الفيدرالية ليست كالظروف السابقة، ويجب أن يصل كل طرف إلى حقه وفقاً للاستحقاق الانتخابي.
موضوع آخر مهم، ما هي المخاطر التي تواجه العراق والمنطقة بأسرها؟ التهديد الأكبر حتى الآن هو مسألة الإرهاب الذي لم ينتهِ بعد، وظاهرة داعش ظاهرة خطيرة ولا يجب أن ننساها أبداً. كلما سنحت لهم الفرصة، لن يمر وقت طويل حتى يجدد داعش نفسه مرة أخرى، لذلك نحتاج إلى تنسيق كامل داخلياً، جميع القوى السياسية مع الحكومة ومع حكومة الإقليم. كما نحتاج إلى مساعدة ودعم أصدقائنا في الخارج، وبأي شكل وكيف سيكون ذلك متروكاً للدولة لتنظيم تلك العلاقات مع الدول. ولكن أن نقول إننا لم نعد بحاجة إلى هذا الدعم وإن داعش قد انتهى، أعتقد أننا نغمض أعيننا عن الحقيقة، فداعش باقٍ ونحن لا نزال بحاجة إلى مساعدة أصدقائنا في الخارج.
هناك خطر آخر أعتبره الأخطر على الإطلاق، وهو المخدرات. للأسف، الكثير من شبابنا، من كوردستان إلى البصرة، وقعوا ضحية لهذه الآفة، لأن هناك برنامجاً منظماً لتدمير بيوتنا. لذلك، هناك حاجة ماسة لأن تقوم الأجهزة الأمنية والمعنية بعمل جاد للقضاء على المخدرات، فمن تاجر بها هم مجرمون كبار جداً، ومن أقاموا مصانع للمخدرات هم أكثر إجراماً من هؤلاء التجار. نأمل أن تقوم الحكومة الفيدرالية القادمة وحكومة الإقليم بتنسيق كامل لوضع حد لهؤلاء المجرمين ووضع حد لهذا التهديد الخطير جداً، وأن تتم معاقبة ومحاكمة كل من تاجر بالمخدرات وأنشأ مصانع لها.
هناك خطر آخر، وهو مسألة التطرف القومي والطائفي الذي لم نستفد منه قط ولم نجنِ منه خيراً. للأسف، نسمع أحياناً أن البعض يعزفون على هذا الوتر، لكنني آمل أن يكون ذلك فقط لحملات انتخابية وليس منهجاً لأي طرف، لأننا لم نرَ منه خيراً ولن نرى.
الوضع العالمي بشكل عام مليء بالأزمات، ولكن الأزمة الأخطر هي تلك التي في منطقتنا، في الشرق الأوسط. نأمل أن يتم حل جميع الأزمات بالسلام والحوار. وفيما يتعلق بنا في العراق، نأمل ألا يتورط في تلك الصراعات، وأن يتم حماية الشعب، وأن لا يصبح العراق ساحة لصراعات أطراف أخرى. ونأمل أن تراعي الأطراف الأخرى وضع العراق، فشعبنا ما زال جريحاً، وبلدنا لم يتعافَ بعد، فإذا حلت بنا كوارث أخرى، فالله لا يرضى بذلك.
النقطة الأخيرة التي أود الإشارة إليها هي موضوع ثقافة التعايش. في كوردستان، نحن نرفع رؤوسنا فخراً ونعتز بهذه الثقافة التي حظيت باحترام كبير في جميع أنحاء العراق. نأمل أن نثري ونقوي ثقافة التعايش جميعاً، لأن العراق في الحقيقة جميل بكونه، كما ورد في الدستور، متعدد الأعراق والأديان والمذاهب. يجب أن نكون جميعاً شركاء في هذا البلد وأن نعرف جميعاً واجباتنا وحقوقنا.
في الختام، أتمنى النجاح لهذا الملتقى، وأرحب بالجميع ترحيباً حاراً مرة أخرى، شكراً جزيلاً..
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن