زاكروس - أربيل
مع سقوط حكم بشار الأسد وخروج آلاف المعتقلين من السجون، باتت عائلة الطبيبة السورية وبطلة الشطرنج رانيا العباسي الموقوفة مع أبنائها الستة في العام 2013، تريد معرفة مصيرهم "مهما كان"، حتى لو كان "قبرا" يزورونه.
اعتُقلت العباسي، وهي طبيبة أسنان وبطلة سوريا سابقا في الشطرنج، في آذار 2013 من منزلها مع أبنائها الستة ومساعدتها الشخصية بعد يومين من توقيف زوجها عبدالرحمن ياسين. ولم يُعرَف مذاك مكان توقيفهم.
بعد عام، تأكدت العائلة من مقتل الزوج إذ ظهرت صورة جثته في ملف "قيصر" الذي يشكل صورا لجثث أشخاص تعرضوا للتعذيب في مراكز اعتقال في سوريا، التُقطت بين العامين 2011 و2013، كشف عنها في 2014 مصور سابق في الشرطة العسكرية يستخدم الاسم المستعار "قيصر" بعد فراره من البلاد.
كانت العباسي، بطلة سوريا في الشطرنج في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، تبلغ 43 عاما عند اعتقالها مع أولادها الذين كانوا يبلغون حينها 14 و13 و11 و8 و6 أعوام ورضيعة عمرها أقل من عامين.
وبعد سنوات طويلة من محاولة الحصول على أي معلومة عن مكان اعتقالهم ومناشدة الحكومة السورية التعاون وكذلك العمل مع منظمات دولية لإثارة القضية، بدا لنائلة العباسي أنّ شقيقتها ستخرج من أحد السجون بعد الانهيار المفاجئ لحكم الأسد في 8 كانون الأول الحالي.
ومن منزلها في الرياض وقرب صورة لشقيقتها وزوجها وأولادهما الستة، قالت نائلة وهي طبيبة نسائية لوكالة فرانس برس "خلال الأيام الماضية عاد لنا الأمل بقوة. تصورنا أنّ الثوار سيدخلون دمشق ويفتحون السجون ويخرجون رانيا وأطفالها".
وتابعت بحسرة "حين دخلوا سجن صيدنايا، تسمرنا أمام التلفزيون ننظر في الوجوه بحثا عن رانيا. أوقفنا البث مرات عدة للتدقيق في وجه ما لكن دون جدوى".
وعلى غرار آلاف آخرين، زار آل العباسي سجون الفروع الأمنية المختلفة في دمشق وخارجها للبحث في الوثائق والأوراق والملفات التي تركت فيها علّهم يجدون خبرا عن ذويهم المفقودين.
وقالت نائلة وهي تخفض صوتها حتى لا تسمعها أمها التي اتشحت بالسواد "كلما مر الوقت، تراجع الأمل"، منددة بغضب بـ"نظام وحشي بشكل غير مسبوق يقدم على اعتقال أطفال ورُضّع ويقتلهم أو يخفيهم لسنين".
- "نريد قبرا لهم" -
عملت العباسي لأكثر من 10 سنوات طبيبة في السعودية، وقررت عام 2008 العودة إلى سوريا ومساعدة مجتمعها المحلي حيث نشأت. ورغم اندلاع الحرب السورية في العام 2011، صممت وزوجها على البقاء في دمشق.
وتؤشر قصة اعتقال العباسي واختفائها إلى مآس مماثلة لآلاف السوريين الذين فقد أثرهم بعد توقيفهم والزج بهم في سجون النظام السوري.
والأسبوع الماضي، دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون إلى الإفراج الفوري عن "عدد لا يحصى" من الناس ما زالوا معتقلين "تعسفيا" في سوريا.
وقال بيدرسون "لا يزال عدد لا يحصى من الأطفال والنساء والرجال محتجزين تعسفيا في مراكز الاحتجاز تحت سلطات مختلفة. ويجب إطلاق سراحهم على الفور".
وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من لندن مقرا له، في تقرير في آب الماضي، إلى أنّ الغالبية العظمى من المعتقلين تعسفيا يقبعون في سجون النظام السوري.
لم يكن لدى العباسي نشاط سياسي، كما أنها لم تبد معارضة علنية لحكم الأسد، لكنّ عائلتها تشك أنّ تقديمها لسلال غذائية كمساعدة لأسر نازحة من حمص لفت أنظار الأمن لها ولزوجها.
وفي كانون الثاني 2023، تصدرت العباسي قائمة سجناء سياسيين حول العالم سلّطت وزارة الخارجية الأميركية الضوء عليهم ضمن مبادرة "من دون سبب عادل" (Without Just Cause). لكن بقعة الضوء تلك لم تغير شيئا.
مع انتهاء فتح السجون وتراجع الأمل، تواصل العائلة البحث عن معلومة أو طرف خيط يوصلهم إلى معرفة مصير رانيا وأطفالها "مهما كان".
ودفعت عائلة العباسي سابقا آلاف الدولارات كرشاوى لأشخاص ادعوا أنّ لديهم معلومات عن رانيا وأطفالها.
وقالت نائلة التي تغيبت عن العمل أسبوعا لمتابعة وضع شقيقتها "نبحث عن معلومة عن خبر.. ماذا حدث لهم؟ هل هي حيّة أم شهيدة؟".
وتابعت بحزن شديد "نريد قبرا لهم... من حقنا على الأقل معرفة أين قبرهم".
لكنّ والدتها نجاح المارديني (81 عاما) التي اختبرت سجن زوجها 13 عاما بين 1980 و1993 قالت وهي تبكي "مهما تأخروا.. لدي أمل أنهم على قيد الحياة وسأضمهم إلى حضني عن قريب".
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن