زاكروس - أربيل
اعتقل عناصر تنظيم داعش محمد العطار من متجر للعطور كان يملكه في مدينة الموصل عام 2014، واقتادوه إلى سجن حيث كان يغطي رأسه ببطانية أحيانا ليبكي من دون أن يلحظه المعتقلون الآخرون.
كان العطار الحائز دكتوراه في الشريعة الإسلامية داعية، وسُجن عندما رفض إعلان ولائه للتنظيم وتعرّض للتعذيب.
وتحدث العطار عن ظروف احتجازه في قاعة في سجن الأحداث في الموصل حيث "حُشِر عدد كبير من المعتقلين" بلغ 148 على الأقل.
وقال الرجل الذي كان يبلغ 37 عاما آنذاك "الحسرة والكبت في داخلي لم يكن لهما حل، ففي السجن لا يبقى إلا البكاء، وهو ممنوع".
وأضاف "عندما كنت أشعر بأنني أريد أن أبكي كنت أضع رأسي تحت بطانية لكي لا يراني أحد وأنا أبكي. لم أستطع تحمل أن يراني الشباب الذين كانوا في سن أولادي باكيا، فأنا الأكبر سنا بينهم وكنت أخشى أن يصابوا بانهيار".
وسيطر التنظيم الإرهابي على مناطق واسعة في سوريا والعراق المجاور، وأعلن إقامة "الخلافة الإسلامية" فيها عام 2014، فارضا تفسيره المتطرف للشريعة على السكان.
ومنع التنظيم الإرهابي التدخين والكحول وكل أنواع الترفيه وفرض النقاب على النساء وإطلاق اللحى على الرجال.
وتعمد مسلحو التنظيم اعتقال وإخفاء كل من يُشتبه برفضه لسيطرتهم، ونشروا الرعب عبر أساليب قتل مروعة استخدموها ضد كل من خالفهم، من ذبح وقطع رؤوس، الى صلب ورجم بالحجارة.
قصة العطار واحدة من أكثر من 500 شهادة جمعها عشرات الصحافيين وصناع الأفلام ونشطاء في مجال حقوق الإنسان في سوريا والعراق منذ العام 2017 لتدرج في أرشيف على الإنترنت سمي "متحف سجون داعش".
وأصبح الموقع متاحا على الشبكة هذا الشهر، مانحا إمكان القيام بزيارات افتراضية لمراكز اعتقال سابقة سيطر عليها إرهابيون، مع نشر روايات عديدة عن الحياة بين جدرانها.
كما يقيم المشروع أول معرض له في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في باريس، حتى 14 تشرين الثاني.
وقال مدير "متحف سجون داعش" على شبكة الإنترنت الصحافي السوري عامر مطر (38 عاما) لوكالة فرانس برس: "داعش خطف أخي في العام 2013، وبدأنا نبحث عنه".
وأضاف "في العام 2017 بدأ التنظيم يتقهقر في المدن التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق من فعل الحرب عليه، فأتيحت لي ولفريقي فرصة دخول عدد من السجون التي كان يسيطر عليها".
وأكد العثور على آلاف الوثائق داخل هذه السجون، وقراءة كتابات محتجزين على جدرانها، بعدما هُزم التنظيم في العام 2019.
ووجد الفريق أسماء سجناء وآيات قرآنية محفورة في ملعب لكرة القدم في مدينة الرقة السورية، بالإضافة إلى عبارات من دراما تلفزيونية عرضت عام 1996 تتحدث عن السلام.
كما صادف الفريق داخل إحدى زنزانات سجن انفرادي تعليمات حول ممارسة الرياضة للحفاظ على اللياقة البدنية باللغة الإنكليزية.
وأكد مطر أنه احتجز في سجون النظام السوري مرتين في العام 2011 في بداية الحرب الأهلية السورية، لتغطيته الاحتجاجات ضد الرئيس بشار الأسد.
وقال: "كنت أكتب اسمي على الجدران لأنني لم أكن أعرف ما إذا كنت سأخرج من السجن أم أنهم سيقتلونني"، مضيفاً "أغلب السجناء لا يعرفون إذا كانوا سيخرجون من السجن أم لا. يكتبون على الجدران غالبا أسماء، أو استغاثات، أو حكايات عن شخص ما قتلوه".
وتابع "أحيانا يكتب أصدقاء شخص ما على جدران زنزانة أنه قتل في يوم محدد".
وأكد أنها "ربما رسائل للمستقبل ليتمكن الناس من العثور على شخص كان موجودا في هذا المكان".
قرر مطر وفريقه تصوير مواقع السجون السابقة وأرشفة كل المواد الموجودة فيها قبل أن تُمحى إذ كان جزء كبير منها أساسا "منازل أو مستشفيات أو مباني حكومية أو مدارس أو محلات تجارية"، وسرعان ما بدأت "تتغيّر ملامحها مع عودة الناس إليها" والعمل على إصلاحها.
وبين مطر المقيم حاليا في ألمانيا أن الفريق تمكن من التقاط صور ثلاثية الأبعاد لنحو 50 سجنا سابقا لتنظيم داعش و30 مقبرة جماعية قبل أن تُمحى معالمها.
وفي المجموع، وثق الفريق 100 موقع سجن، وأجرى مقابلات مع أكثر من 500 ناجٍ، وحول أكثر من 70 ألف وثيقة لاتنظيم إلى أرشيف رقمي.
وقال يونس قيس وهو صحافي من الموصل يبلغ 30 عاما مسؤول عن جمع بيانات في العراق "تعرض كثر من أهالي مدينة الموصل لأبشع الجرائم وأبشع طرق التعذيب داخل سجون داعش".
وتابع "أنا صحافي من مدينة الموصل. سماع قصص مأساوية ورؤية جرائم حدثت بحق أهلي أمر صعب جدا بالنسبة لي"، مشيرا إلى صدمته خصوصا أثناء سماع قصة امرأة من الأقلية الإيزيدية تعرضت للاغتصاب 11 مرة أثناء احتجازها لدى التنظيم.
وأضاف "هذا هدف المشروع، أن نوثق ما حدث بحقوق الإنسان في العراق وسوريا أثناء فترة التنظيم الإرهابي وما بعده".
وقال روبن ياسين كساب محرر الموقع باللغة الإنكليزية: إن المشروع يهدف إلى "جمع معلومات" حتى يمكن استخدامها في المحكمة.
ونوه إلى أنه "نريد أن تعرف الفرق القانونية في كل أنحاء العالم أننا موجودون وأنه يمكنها طلب أدلة منا".
لم يعثر مطر على شقيقه. ولكنه يأمل أن يُطلق خلال العام المقبل موقعا باسم "جواب" باللغة العربية، لمساعدة آخرين في معرفة ما حدث لأحبائهم.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن