زاكروس - أربيل
أكد كلاوديو كوردوني نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق للشؤون السياسية والمساعدة الانتخابية، القائم بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، اليوم السبت (31 آب 2024)، أن التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية في العراق قد تؤدي في حال اعتمادها، إلى مخالفة عدد من معاهدات حقوق الإنسان التي تعد البلاد طرفاً فيها، داعياً إلى "إجراء حوار مفتوح وشامل ويحترم الجميع لمعالجة سوء الفهم وسد الثغرات".
جاء ذلك في كلمة ألقاها كوردوني في مؤتمر (الإسلام حياة) الدولي الخامس والموسوم بـ (حقوق الإنسان والتحديات المعاصرة) في كربلاء.
وقال المسؤول الأممي: "عانى العراق، الغني من حيث التاريخ والثقافة والتعددية، بشكل كبير من الدكتاتورية والحروب العبثية والتطرف العنيف، وفي هذا السياق، أرحّب بمبادرة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في وضع استراتيجية وطنية لمواجهة خطاب الكراهية، مع احترام حرية التعبير".
وأضاف: "من الأولويات الوطنية الهامة الأخرى، والتي تلتقي مع إعمال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، هي تحسين الخدمات ومستوى المعيشة".
واستدرك قائلاً: "مع ذلك، توجد بعض المجالات التي تدعو الى القلق. وعلى سبيل المثال، قد تؤدي التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية، في حال اعتمادها، إلى مخالفة عدد من معاهدات حقوق الإنسان التي يعد العراق طرفاً فيها"، داعياً إلى "إجراء حوار مفتوح وشامل ويحترم الجميع، وأعتقد أنّ من شأنه معالجة حالات سوء الفهم وسد العديد من الثغرات".
وفي ختام كلمته، ذكر "ما قاله مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في ختام زيارته للعراق في العام الماضي، عندما قال: (ويجب عدم استخدام حقوق الإنسان كوسيلة لتفريقنا - أن حقوق الإنسان هي ما يوحدُنا وما يجمَعُنا معاً كإنسانية للعيش في كرامة)".
وأثار تعديل مقترح على قانون الأحوال الشخصية العراقي مخاوف ناشطين حقوقيين يرون أنه يحرم المرأة من مكتسبات وحقوق وقد يؤدي أيضاً لفتح الباب أمام زواج القاصرات.
ويمنح التعديل العراقيين عند إبرام عقود زواج الحقّ في الاختيار في تنظيم شؤون أسرهم بين أحكام المذهب الشيعي أو السني او تلك التي ينصّ عليها قانون الأحوال الشخصية النافذ والمعمول به منذ عقود.
ويُعمل بقانون الأحوال الشخصية الحالي الذي يعدّ متقدماً وسط مجتمع عراقي محافظ، منذ العام 1959 بعيد سقوط النظام الملكي، ويحظّر الزواج دون سن 18 عاما ويمنع خصوصاً رجال الدين من مصادرة حقّ الأهل بالتوجّه إلى محاكم الدولة المدنية.
وتقول المديرة التنفيذية لشبكة "النساء العراقيات" أمل كباشي إن التعديل المطروح "يوفّر مساحة واسعة لهيمنة الرجال على قضايا الأسرة في مجتمع لا يزال محافظاً إلى حدّ كبير"، ما يثير الخشية من "سحب حقوق وفّرها القانون الحالي للمرأة من ناحية الحضانة وحق السكن" ومسائل عديدة أخرى.
ويدعم نواب شيعة محافظون التعديل الحالي الذي يأتي على ذكر المذهبين الشيعي والسني فقط من دون ذكر الأديان والمذاهب الأخرى في العراق.
وفي نهاية تموز، سحب البرلمان التعديل من الطرح بعد اعتراض نواب كثر عليه، إلا أنه عاد مجددا إلى الطاولة وحظي بقراءة أولى في جلسة في الرابع من آب بعد تلقّيه دعم تحالف أحزاب شيعية يتمتّع بالغالبية داخل البرلمان العراقي.
وليس واضحاً حتى الآن ما إذا كانت محاولات تعديل القانون ستنجح بعد محاولات عدّة خلال العقدين الماضيين لتغييره، إلا أن كباشي تُشدّد على رفضه قائلة "كما تصدّينا لهم كحركة نسوية في السابق، سنتصدّى لهم مرة أخرى".
وتقول الباحثة في شؤون العراق في منظمة العفو الدولية رازاو صالحي إن الموافقة على التعديل تعني أن "العراق يغلق حلقة نار حول النساء والأطفال"، مضيفة "يجب وقف تلك التعديلات وعدم تحويلها إلى ضربة أخرى لحقوق النساء والفتيات".
بالإضافة إلى اختيار أحكام بين شرعية ومدنية، يجيز التعديل للمتزوجين التقدّم بطلب أمام محكمة الأحوال الشخصية لتطبيق الأحكام الشرعية عليهم بدلا من قانون العام 1959 النافذ.
وينصّ على مصادقة محكمة الأحوال الشخصية على "عقود الزواج التي يبرمها الأفراد البالغون من المسلمين، على يد من لديه تخويل شرعي أو قانوني من القضاء أو من ديواني الوقفين الشيعي والسني".
ويقول الخبير الدستوي زيد علي أن قانون العام 1959 "جمع أكثر الأحكام التقدمية من المذاهب كافة"، ويعدّ من قوانين الأحكام الشخصية الأكثر تقدّما في المنطقة. ولطالما رفضته السطات الدينية، لذلك جرت محاولات عدّة لتغييره منذ 2003.
لكن هذه المرة، وبدلا من تغيير القانون النافذ، أبقى داعمو التعديل عليه خياراً، أي أن على العراقي أو العراقية عند الزواج الاختيار ما بينه وما بين أحكام شرعية لتنظيم مسائل أسرهم.
مع ذلك، يرى علي أن المشرعين يأخذون "خطوة أبعد من الدولة المدنية".
ويرى كثيرون بأن الأحكام الشرعية بشكل عام قد تحدّ من حقوق المرأة. ويقول علي إن داعمي التعديل يعطون "الرجال فرصة اختيار ما يقع في صالحهم، ما يعني سلطة أكبر على النساء، على الثروة، على حضانة الأطفال"، بالإضافة الى قضايا متعددة أخرى.
ويشير علي إلى أن محاولات تعديل القانون السابقة فشلت لأن هدفها كان كسب الناس والإيحاء لهم بأن المشرعين الداعمين للتعديلات هم أفضل من يمثّلهم في مجلس النواب. لكن هذه المرة، "أعتقد أنهم يحاولون اليوم من خلال منح الناس فرصة الاختيار زيادة فرص تبني التعديل".
ويمنح التعديل ديواني الوقف الشيعي والسني مهلة ستة أشهر لوضع "مدوّنة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية" لتقديمها الى مجلس النواب للموافقة عليها.
وترى الباحثة في منظمة "هيومن رايتس ووتش" سارة صنبر أن منح المؤسسات الدينية السلطة في مسائل الزواج والإرث، من شأنها أن "تقوّض مبدأ المساواة بحسب القانون العراقي، بالتعامل مع المرأة على أنها أدنى من الرجل".
وتضيف "قد يضفي هذا التعديل شرعية على زواج الفتيات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن تسع سنوات، ما يسرق مستقبل عدد لا يحصى منهنّ"، موضحة أن "الفتيات مكانهن في الملعب وفي المدرسة، وليس في فستان الزفاف".
وتقدّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة أن 28 في المئة من الفتيات في العراق يتزوجنّ دون سن الـ18. كما كشف تقرير العام الحالي لمنظمة "هيومن رايتش ووتش" أن "رجال الدين في العراق يعقدون آلاف الزيجات سنوياً، بما فيها زيجات الأطفال التي تخالف القوانين العراقية وغير المسجّلة رسمياً".
ويُعدّ زواج الأطفال، بالنسبة لمنظمات حقوقية، انتهاكا لحقوق الإنسان كونه يحرم الفتيات من حقهنّ في التعليم والعمل وغيره، ويعرضهنّ للعنف.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن