إن من يقرأ أدب مورافيا يكتشف أن لهذا الكاتب القدرة الفذة على الولوج نحو أعمق أعماق النفس البشرية وما تضمنته من دهاليز يصعب الوصول اليها، وهذا ما سيكتشفه القارئ لنتاجات هذا الأديب العالمي.
"الخطيئة الأولى" هي واحدة من القصص الطويلة التي عكف على كتابتها فترة طويلة وفيها فهم وعمق واضح للعلاقة ما بين الابن المراهق والأم الجميلة التي تعيش بدايات علاقة غرامية.
تضمنت القصة كم المشاعر التي يكنها الصبي واسمه "اوجستينو"، تجاه أمه بعد ما كان يشعر بأن تلك الأم هي ملاذه الوحيد أمام العالم أجمع.
ها هو يراها تبدأ في إهماله أو التعامل معه بصورة سطحية وعادية جداً وكأنه شيء عابر في عالمها ما يولد ردة فعل نفسية لدى الصبي ستترجم لاحقاً إلى كراهية والبحث عن ملاذ عاطفي آخر حتى وإن كانت تجربة فاشلة لقضاء بعض الأوقات الحميمة في أحد بيوت الدعارة.
حاول مورافيا ان يصور من خلال القصة كم الاحاسيس والتناقضات التي تتصارع في عقل وقلب الصبي اوجستينو، في اشارة منه الى دور المراهقة الذي يمر فيه وما يكتنفه من صعوبات وتقلبات في المشاعر تجاه نفسه وامه والناس.
أما عنوان القصة "الخطيئة الأولى"، فهي إشارة واضحة وذكية للطريق الذي قرر أن يسلكه أوجستينو والتوجه إلى بيت الدعارة صحيح أن التجربة لم يكتب لها النجاح بسبب رفض المرأة القائمة على ذلك البيت دخول الصبي لأنه لم يصل للعمر القانونية التي تسمح له بذلك إلا أنها تعد خطيئة أولى في حياة الصبي لان الخطيئة لا تبدأ حيث الشروع -بالفعل- إنما تبدأ منذ اللحظة الأولى التي نفكر ثم نقرر الخوض فيها لان التفكير أساس العمل.
لقد أثرى ألبرتو مورافيا المكتبة العالمية بالقصص والروايات الإنسانية التي كانت دائماً ما تسلط الضوء على واقع إيطاليا الاجتماعي والإنساني قبل الحرب العالمية الثانية أي في مرحلة سيطرة الفاشية على إيطاليا وما بعد الحرب والآثار السلبية التي خلفتها تلك الحرب على الإنسان هناك، كما واجه مضايقات كثيرة من قبل السلطات الفاشية لأنه كان ينتقد بصورة مباشرة وغير مباشرة ذلك النظام وممارساته والخراب الذي جلبه لإيطاليا.
رامي فارس
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن