زاكروس عربية - أربيل
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها الكاظمي في الاحتفالية الخاصة بمناسبة مرور 60 عاماً من النضال لأجل الحرية والديمقراطية، وذكرى مرور 5 سنوات على رحيل الرئيس جلال طالباني.
في مثلِ هذا اليوم، ارتحلَ إلى الرفيقِ الأعلى الرئيسُ العزيزُ جلال الطالباني. جئنا إلى هنا اليوم، لنستذكرَ هذه الشخصيةَ الوطنيةَ الكبيرة، والروحَ المناضلةَ الفذّة، والقامةَ الشامخة.
نستذكرُه اليوم، ونحنُ في أشدِّ الحاجةِ إلى صبرهِ وحكمته، وقدرتِهِ على احتواءِ الأزمات، وتقريبِ وجهاتِ النظرِ المتباينة، واستعادةِ الثقةِ المفقودةِ بين إخوةِ الوطنِ الواحد، الذين قدموا الكثيرَ من التضحياتِ والدماءِ الغالياتِ في مختلف مراحلِ النضالِ في سبيلِ الديمقراطية، ومن أجلِ الوطنِ وحريته.
نستذكرُه اليوم، ونحنُ نعيشُ زمناً تلاشت فيه القيمُ والأخلاقُ في عالمِ السياسة، وغُلّبت لغةُ الاتهامِ والتخوين، على لغةِ التهدئةِ والحوارِ وصولاً إلى الحل.
أما أنا شخصياً، فاستذكرُ "مام جلال"، في كلِ مراحلِ حياتي من المعارضةِ الوطنيّة ضدّ النظامِ الديكتاتوري، إلى الصحافةِ والنشاطِ الحقوقي وصولاً إلى تولي المسؤولية، وكان رحمه اللهُ مهموماً على طولِ الخطِ، بالإنسانِ وكرامتِهِ وحقوقِهِ وجوهرِ العدالة.
أستذكرُ أيضاً، مدى استحضارِ الراحلِ، وبشكلٍ دائم، في حديثِه، عقودَ النضالِ لأجلِ الحريةِ والديمقراطية. هذا النضالُ لم تحدّه فئويةٌ أو قوميةٌ أو مذهبية، بل كانَ لأجلِ الإنسانِ والوطنِ والعدالةِ التي ننشدُها، ونعملُ لأجلها. واجهنا معاً الديكتاتوريةَ، لأجلِ الحرية والديمقراطية، وعلينا أن نحافظ على ذلك، لأجلِ العراقِ والعراقيين... لأجلِ المستقبلِ الذي يليقُ بحجمِ التضحياتِ التي بُذلت بصدقٍ وإخلاص.
اليوم وسط كلِ هذا الانسدادِ السياسي، يكون لغيابِ شخصيةٍ بوزنِ مام جلال أثرٌ ومعنى، كان الراحلُ سيدفعُ بقوّة، بجميعِ القادةِ السياسيين إلى طاولةِ الحوار، لأجلِ نقاشٍ هادئٍ عاقل، يُعيد من خلاله ثقةً فُقدت، مع تغلّبِ المصالحِ الضيقةِ، والمكتسباتِ الآنية، على المصلحةِ الوطنية العامة. فشجاعةُ الحوار ومبدأُ حسنِ النيةِ والدبلوماسيةُ الهادئةُ والابتعادُ عن التصلبِ في المواقف كانت أدواتِ "مام جلال" وخريطةِ الطريقِ التي وضعها -رحمه الله- لحلِ الأزمات.
نستلُهم من عزمِ الراحلِ الكبير وإرادتهِ والقيمِ التي تركها بيننا دوافعَ الوصولِ إلى الحلول، التي تنسجمُ مع قيمنا الوطنية، ومع قناعاتِنا بضرورةِ بناءِ دولةِ المؤسسات، والتي تقدّمُ مصلحةَ المواطنِ على أي مصلحةٍ فرديةٍ أو فئوية. نؤكّدُ من هذا المنطلقِ على ضرورةِ العودةِ إلى طاولةِ الحوار الوطني الجامعِ لكل العراقيين لنطرحَ معاً هواجسنا، ونناقشَ خلافاتِنا، ونضعَ الحلولَ بناءً على المشتركات.
العراقُ وشعبُ العراق ومصالحُ العراقيين هي الغاياتُ التي يجبُ أن تكونَ أمامَنا جميعاً، والهدفُ الذي يجبُ أن يتقدمَ الجميعُ إلى طاولةِ الحوارِ الوطني. فالاتفاقَ الوطني على أساسِ المشتركاتِ العراقيةِ العميقة، والقيمِ الوطنيةِ المترسخةِ في بلادِنا ليسَ بالصعبِ أو المستحيل. العراقيون استطاعوا أن يعيدوا تقديمَ أنفسَهم للعالمِ بصورةٍ تليقُ بهم وبتأريخهم، وبإمكانِهم اليومَ صياغةَ حلٍّ يحفظُ مستقبلَ وطنِهم، ومستقبلَ أبنائهم.
فلنتمسّك بالحوار والحوارِ والحوار... ولا شيءَ غيرَه، فهو سبيلُنا الوحيدُ لحلّ الأزمة، وإلا فالنارُ ستحرقُ الجميعَ، لا سمح الله... الشجاعةُ الحقيقيةُ هي في حفظِ مصالحِ العراقيين، وأمنِهم وسلمِهم الاجتماعي، وأن نفكرَ معاً بمستقبلِ أجيالِنا القادمة.
الوصولُ إلى هذا المستوى المتميزِ من العلاقاتِ لم يكنْ من فراغ، بل كانَ نتاجاً لمبدأِ الحوار، وتقديمِ حسنِ النيةِ والسياسةِ الهادئة غيرِ الانفعالية، ويجبُ أن نبنيَ على ما تحقّقَ حتى الآن، من تعزيزِ للمشتركاتِ وحلِ الأزماتِ، بروحِ الأخوّةِ والمصيرِ المشترك. وهنا، لا بدّ من الإشارةِ إلى الصعوباتِ والعوائقِ التي كانت موجودة، وبعضُها زُرع عن عَمَد، فقط لأجلِ إفشالِ تجربةِ الحكومة، لكننا نجحنا في تجاوزِ معظمِها، التي كان آخرُها الموافقةَ على تسديدِ الاستحقاقاتِ المتأخرةِ لفلاحي الإقليمِ الأعزاء، إذ وقّعتُ بالأمسِ على صرفِ استحقاقاتِهم المتأخرة، وأشكرُهم على صبرِهم وتحملِهم للظروفِ التي نمرُّ بها إلى غيابِ الموازنة.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن