زاكروس عربية – أربيل
دخل عالم الابداع من خلال الشعر، له نتاجات عديدة في الشعر منها مراثي الطوطم، رماد مجوسي، ضوء أسود، تراب الشمس، شموع السيدة السومرية، خطوات الروح.
رحلته في عالم الابداع لم تتوقف عند الشعر فقط انما امتدت لفضاء الرواية الذي وجده أرحب بكثير من فضاء القصيدة أو الخاطرة.
كتب عدد من الروايات بدأها برواية الجحيم المقدس، واستراحة مفيستو، ومشرحة بغداد قبل ان يبدأ مشروعه الروائي الكبير (المتاهات) والذي امتد لتسعة روايات متتالية، بدأها برواية متاهة ادم، متاهة حواء، متاهة قابيل، متاهة الاشباح، متاهة ابليس، متاهة الارواح المنسية، متاهة العميان، متاهة الانبياء ،متاهة العدم العظيم، انه برهان شاوي الشاعر والروائي العراقي الكبير وهو أيضا سينمائي ومترجم وأكاديمي مقيم في ألمانيا منذ 1986، درس السينما في/ موسكو والإعلام في ألمانيا، ثم التاريخ والعلوم السياسية في جامعة موسكو الدولية لعلوم الاجتماع في روسيا، غادر العراق نتيجة الظروف القاسية التي اجبرته على المغادرة بعد رحلة عذاب قضاها في السجون وشبح الملاحقات.
المتاهات تعد أطول ملحمة روائية في الأدب العراقي وربما العربي وهي الأولى من نوعها من حيث الطرح والأسلوب وتناول القضايا الحساسة والمسكوت عنها، حيث يراها المؤلف جريئة وتتوغل بعمق في المسكوت عنه لدرجة أنها منعت من التوزيع في بعض الدول العربية.
القسم الثاني من الحوار الذي أجريته مع الصديق الشاعر والروائي برهان شاوي حول سلسلة المتاهات ورواية مشرحة بغداد التي عدها البعض نقطة الانطلاق الأولى نحو المتاهات .
في بداية المتاهة الأخيرة، متاهة العدم العظيم، ما الفكرة التي أردت ايصالها للقارئ لدى تصويرك لمشهد اللقاء الأول بين آدم وحواء وما حصل بينهما؟
أخمن إنك تقصد الرواية التي كتبها الرجل الأشقر الوسيم (إبليس) عن تأويله لقصة آدم وحواء..!.. الحقيقة إنه نص غريب|.. قصة ورواية قصيرة داخل الرواية، وهي نص لو انتبهت من دون أية جملة حوار واحدة.
هي توصيف يكشف عن لا أدرية حكاية ظهور آدم وحواء وفكرة الخطيئة على خلاف ما جاء في كتب الديانات الإبراهيمية.
في متاهة قابيل جعلت آدم التائه يلاحق أبطال دستويفسكي وأبطال روايته "الأبله"، الأمير ميشكين وناستاسيا فيليبوفنا، هل كان ذلك بسبب عشق آدم التائه لفيليبوفنا لدرجة جعلته يعيش اللاواقع ؟
نوعا ما هذا صحيح.. لكنه من جانب آخر هو تفكيك لرؤية دوستويفسكي في روايته الخالدة " الأبله"، وقد كان استحضار دوستويفسكي وأبطال رواية " الأبله" مقصودا، من حيث أن دوستويفسكي قال من خلال شخصية الأمير ميشكين حينما رأى صورة نستاسيا فيليبوفنا: " بأن الجمال يمكن أن ينقذ العالم"، فاستحضرت هاتين الشخصيتين مع شخص دوستويفسكي في رواية " متاهة قابيل" لتناقشه ناستاسيا وتبين تناقضه، وتسأله إن كان الجمال يمكن أن ينقذ العالم فلماذا تركتني أُذبح في نهاية الرواية بينما تركت الأمير ميشكين، الحمل الوديع، يعود من حيث أتى. وهنا الرواية تحاول أن تفكك رؤية دوستويفسكي وتشبثه بالمثال المسيحي، الذي جسده الأمير ميشكين في رواية " الأبله" و " أليوشا" في " الأخوة كارامازوف". ناهيك أن شخصية " نستاسيا فيليبوفنا" واحدة من الشخصيات النسوية المهمة في تاريخ الرواية العالمية.
أغلب القراء يرى أن رواية "مشرحة بغداد" هي نقطة البداية التي انطلق منها الاوادم والحواءات نحو ملحمتهم الخالدة "المتاهات" على الرغم من أن "مشرحة بغداد" رواية مستقلة عن سلسلة المتاهات؟
هذا دقيق جدًا. فرواية " مشرحة بغداد" تشكل العتبة والمدخل والبوابة لعالم المتاهات الغامض. ناهيك أن " المشرحة" كمكان و" آدم الحارس" كشخصية روائية يحضران بالاسم والشخوص في متاهتين هما "متاهة حواء" و" متاهة الأشباح".
بدأت رواية "مشرحة بغداد" بفيلم حقيقي وليس فيلمًا خياليا من انتاج غربي، قرص فلم عثر عليه في بيت نائب حكومي يصور عملية ذبح حقيقية لإنسان هل لذلك دلالة؟
نعم هذا صحيح.. تبدأ الرواية بمشاهدة ما جاء في قرص فيديو وثائقي، يصور بشكل حي وقائع ذبح شاب في حدود الثامنة عشر من العمر في بيت ابن أحد النواب الطائفيين في مجلس النواب العراقي وقد تم العثور عليه مع أقراص مدمجة أخرى عند اقتحام البيت من قبل الأجهزة الأمنية. شخصيًا شاهدت القرص بنفسي، ووجدت أنه يختزل وحشية الصراع الطائفي الذي مر به العراق بعد تفجيرات سامراء.
في مشرحة بغداد استحضرت فليم (الاخرون)، لدرجة جعلت آدم الحارس يتسأل هل نحن أموات بالفعل وهذه أرواحنا تعيش، ما تعليقك؟
لا تعليق لدي، فأنا أتفق مع ما جاء في السؤال. بل لقد استحضرت فيلمًا آخر هو " القيامة" حيث استحضرت مشهدًا منه عن اجتماع الإنسان مع الحيوانات في الغابة. السؤال عن حقيقة الوجود مثال جدل ديني وفلسفي وروحاني، وهو ما شغلني حتى في تجربتي الشعرية. هل حياتنا هي وجود فعلي أما هي حلم بين عدمين..؟ هناك تداخل ما بين العوالم.. العالم الوجودي المتحقق والعالم الافتراضي، الروحاني، الماورائي. وأنا مؤمن بهذا.
قابيل العباسي لعله أكثر شخصيات المتاهات إثارة للرعب والخوف، هل شخصية العباسي حقيقية أم هي نتاج من عدة شخصيات واقعية أم هي حالة بلد بأكملها؟
هي كل ذلك. هي شخصية واقعية، لكني مزجت معها تفاصيل شخصيات أخرى، وهي تجسيد لبيادق الصراع الدموي الطائفي وقادته. هو شخصية مخيفة، لكن تحصيل حاصل لما كان، وما جرى، وربما ما سيكون..!
ما الذي منحك اياه المنفى بعيدا عن أرض الوطن والذكريات؟
الوطن مفهوم هلامي. وطني هو أي مكان أشعر فيه بإنسانيتي وكرامتي وأمني الوجودي. أما تقصد البلاد فهي جغرافيا، زمان ومكان، يشكلان الذاكرة والعالم النفسي، والانتماء. في المنفى وجدت وطنًا آمنا وكريما. المنفى منحني التجارب الهائلة على مختلف المستويات. تعلمت لغات جديدة، حصلت على أعلى الشهادات الأكاديمية، ومنحني حياة أسرية آمنة، وأفق الحرية الفكرية والنفسية والارتقاء الجمالي.
كيف ترى الرواية العراقية في وقتنا هذا، وهل جميع ما ينشر من روايات صالح للقراءة ؟
هناك كم كبير من الكتابات التي تنشر تحت مسمى (الرواية)، لكن عند غربلتها لا يمكننا أن نوصفها نقديًا ونظريا تحت هذا المسمى أو المفهوم. فالكثير منها ليس سوى ريبورتاجات صحفية طويلة أو حكايات لا أكثر. معظم ما ينشر يفتقد لأدبية الحكاية كي تنتقل لمستوى أن تكون (رواية)، سواء على مستوى السرد، أو الشخصيات، او الحوارات، أو حتى على مستوى اللغة. لكن هذا لا ينفي وجود تجارب كتابية لا بأس بها، وهناك تجارب شابة تشي ر لوجود مواهب يمكنها أن تصقل وتتطور.
رواية عربية أو عالمية توقفت عندها كثيرا؟
هذا سؤال صعب. لا يمكنني أن اسمي رواية واحدة، فقد توقفت بل أعدت قراءة مؤلفات شكبير ودانتي ودوستويفسكي كلها، وستندال، وتيشخوف، وفلوبير، وتورغينف، وأميل زولا و.و.ولا يمكن تسمية رواية واحدة، بل روايات.
بدايتك في كتابة الرواية هل كانت في بغداد أم في المنفى ؟
أول رواية كتبتها كانت " الجحيم المقدس" وكتبتها في ألمانيا بعد وصولي إليها من موسكو. لكني حينها كنت مكرسًا كشاعر، ولم أعدّ نفسي روائيا، لكن في العام 2009 بدأن بكتابة " مشرحة بغداد" و" متاهة آدم"، وكنت حينها في بغداد.
الكبت والعنف الجنسي واضح لدى الآوادم والحواءات ما السبب في ذلك؟
"المتاهات" تتوغل عميقا في الثالوث المحرم: الجنس والمقدس، والعنف السياسي. وبالتالي نجد تجسيد لإشكالات هذا الثالوث المحرم في حكايتها المتعاقبة. الجنس والكبت الجنسي إحدى مهيمنات الشخصيات في مجتمعاتنا الشرقية، بل حتى في المجتمعات الأوربية والغربية عموما. الإنسان كائن جنسي، وديمومة البشرية هي نتيجة الفعل الجنسي.
بعض الشخصيات رحلت وعادت لترحل مرة أخرى، هل هي محاكمة للكاتب نفسه؟
لا.. الأمر ليس كذلك.. وإنما المتاهات هي دوائر، فالدائرة الأولى تضم : متاهة آدم، ومتاهة حواء، متاهة قابيل، متاهة الأشباح. وفيها شخصيات رئيسية بدأت من المتاهة الأولى واختفت في المتاهة الرابعة، بينما الدائرة الثانية فتضم المتاهات الأربع التالية: متاهة إبليس، متاهة الأرواح المنسية، متاهة العميان، ومتاهة الأنبياء، حيث تظهر شخصيات كانت ثانوية في المتاهات السابقة. أما المتاهة التاسعة " متاهة العدم العظيم"، وهي خاتمة المتاهات الأولى، ومتاهة المتاهات، فهي تنسف المتاهات كلها، لنجد أنفسنا أمام العود الأبدي النيتشوي.
"متاهة الأرواح المنسية"، عنوان العنوان يدفع القارئ للشعور بالرهبة، لماذا هذا العنوان بالذات؟
ببساطة لأننا جميعا أراوح منسية في متاهة هذا الوجود.
حوار وإعداد: راميار فارس
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن