زاكروس عربية - أربيل
أزمات لا انفكاك منها إن كادت إحداها تنتهي بدأت أخرى تلوح في الأفق القريب، المدن العائمة على بحر من النفط لا تجد وقوداً يبعد شبح السقام عن ساكنيها، وفي أرض القمح يكاد الخبز أن يصبح عملة نادرة، فيما لا تزال رائحة بارود الألعاب النارية التي أطلقت في حفل زفاف ابن أحد المتنفذين لا تفارق أجواء المدينة المتخمة بالرئاسات المشتركة وتعدد الهيئات وأختام الكومينات في كل شاردة وواردة.
- علامات الفساد
الخبز في حال "يرثى له" ليس من حيث توفره فحسب بل مع رداءة جودته، "فعلامات الفساد واضحة على محياه، السواد الذي يغطيه وسرعة نشفناه وتيبسه تحيلانه علفاً إذا ما صادف وترك دون استهلاك، رغم ذلك لا يمكن أن يفارق موائد الفقراء ومتعثري الحال فالبدائل مكلفة"، وفق تعبير صلاح بافي جانو من أبناء مدينة قامشلو.
شكاوى الأهالي في مناطق الخاضعة لـ "الإدارة الذاتية" بشأن الخبز والطحين لا تقف في حدود توفير الخبز وجودته، وهو ما يعزوه بافي جانو في حديثه لـزاكروس عربية إلى "غياب الرقابة وانشغال المتنفذين والمستفيدين في الإدارة بأرباح عمليات البيع، فهذه الأرض تنتج أفضل أنواع القمح على مستوى سوريا وشعبها يأكل أردء أنواع الخبز، هذه جريمة أخرى، عداك عن سرقة الطحين والتلاعب بالأوزان".
- طحين درجة رابعة
من غير المعروف أن فرع الشركة العامة للمطاحن في الحسكة لا يزال يخضع لسيطرة النظام، رغم أن "الإدارة الذاتية" أنشأت مؤسسات خاصة بالمخابز ووضعت يدعا على معظم الأفران الآلية في المحافظة، إلا أن انتاج الطحين وتوريده إلى الأفران يتم عبر حكومة النظام.
إذ تنتشر في محافظة الحسكة مطاحن خاصة اعتادت "الحكومة" في السنوات التعاقد معها إلا أن "عمليات الفساد الممنهجة حالت دون ذلك" بحسب صاحب مطحنة في ريف القامشلي تحدث لـزاكروس عربية وطلب عدم ذكر أسمه، مضيفاً أنه "منذ قرابة العامين فضت شركة المطاحن في دمشق العقود التي كنا نعمل بموجها معها بحجة عدم إدراج المطاحن الواقعة في المناطق خارج سيطرة النظام بالعروض"، منوهاً أن العملية كلها "لإفساح المجال أمام متنفذ في عمليات تسويق الطحين ومالك مطحنة كبيرة ذات خمسة رؤوس".
المصدر ذاته أضاف أن "المتنفذ" يشتري من الحكومة القمح الممتاز بسعر مدعوم خاص بالمطاحن، إلا أنه يورد إلى الشركة طحيناً من الدرجة الثالثة أو الرابعة، ويبيع القمح الممتاز بفارق ربحي لحسابه الخاص".
- سرقات
سارعت الحكومة السورية على تبرئة نفسها من التسبب بأزمة الخبز الحالية، وقال مدير فرع المطاحن العامة المهندس جرجس قومي في تصريح لوكالة سانا إن "الكميات المطحونة من مادة القمح خلال شهر بلغت نحو 17 ألف طن" مبيناً أنه "يتم تزويد كل المخابز العامة والخاصة والاحتياطية في المحافظة بالكميات اللازمة لها من مادة الطحين".
ويصل الطحين إلى جميع الأفران "الحكومية" والخاصة (الغير سياحية) بشكل يومي بكمية تصل إلى 450 طن يومياً، بحسب تصريحات سابقة لقومي لصحيفة "تشرين" الرسمية، منوهاً بأن المطاحن العامة الثلاثة في المحافظة "تقدم نحو 45% منها والبقية يتم تأمينه عن طريق التعاقد مع المطاحن الخاصة".
فيما تحدث محافظ الحسكة غسان خليل عن "سرقات وفساد" في ملف القمح، وقال إن الكميات المسوقة "ليست في أيد أمينة".
ونقلت صفحة المكتب الصحفي في محافظة الحسكة عن خليل إن من حالات الفساد التي تم الوقوف عليها في فرع الحبوب في المحافظة "تزويد المطاحن العامة بالأقماح بكميات قليلة وبطاقة إنتاجية ضعيفة بهدف إفساح المجال للتعاقد مع المطاحن الخاصة وفتح باب للفساد".
- الأسعار
على مدى أسبوع كامل صمتت "الإدارة الذاتية" عن أزمة الخبز، وبدت غير مكترثة بالإضراب الذي بدأته الأفران السياحية في كل من مدينتي الحسكة وقامشلو، إذ أنه بدأ عقب قيام مديرية التموين التابعة في "الإدارة الذاتية " برفع سعر كيس الطحين إلى حوالي 40 ألف ليرة سورية، بعد أن كان سعره 25 ألف ليرة.
وطالب مالكوا الأفران السياحية "الإدارة" بالسماح لهم برفع سعرربطة الخبز السياحي إلى 800 ليرة سورية، بعد أن كان سعرها 500 ليرة، وذلك من أجل إيقاف الإضراب والعودة إلى العمل.
وبعد أخذ ورد أعلنت "هيئة الاقتصاد والزراعة" اجتماعها مع أصحاب الأفران السياحية الخاصة في قامشلو وتوصلت معهم إلى تسوية مؤقتة تقضي بعودتهم عن الإضراب مقابل الوعد بـ "دراسة شاملة توضح التكلفة الحقيقية لإنتاج الخبز في هذه الأفران"، كما اقترحت أن "تقوم بإعطاء القمح لمطاحن خاصة لتخفيض سعر الطحين وتوزيعه على الأفران السياحية الخاصة"، وفق تصريحات لـ "الرئيس المشترك" لهيئة الاقتصاد والزراعة"، سلمان بارودو .
- مطامع وصراع
إلا أن هذه الحلول الرضائية لن تدوم طويلاً ، ربما تخفف من حدة الأزمة التي تسبب بها توقفها عن العمل، لكنها لا تعالج جوهر الأزمة المتمثل في رداءة الخبز من الأفران ›الحكومية›، فهي المصدر الأساسي والمعتمد للخبز لدى الغالبية العظمى من المواطنين.
وأشار الصحفي رامان يوسف إلى أسباب رداءة جودة الخبز، مشيراً إلى أن "الفساد حيث أغلب القائمين والمسؤولين يسرقون القمح والطحين الممتاز و يستبدل بالطحين السيئ ويحدث الكثير من هذه الحالات"، ونوه إلى غياب المحاسبة للأفران و غياب الفحوصات والتموين والصحة".
وأضاف يوسف لـزاكروس عربية أن "أصحاب الأفران السياحية لا يريدون أن يقوم أصحاب الأفران العادية بإنتاج خبز جيد، وهذه الرغبة تترجم إلى اتفاقات مع مسؤولين في التموين الذين يساهمون في تغييب الرقابة والمحاسبة".
لن تكون هذه الأزمة الأخيرة التي تعصف بإدارة كّرست نفسها لتوسيع المقابر وزيادة الشواهد المرمرية وإضافة المخميات، في أرض تتلفظ الشعارات والخسارات المتكررة مثل الخطابات الثرثارة دون أفق.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن