زاكروس عربية - أربيل
صيف سياسي ساخن يمضي في كوردستان سوريا، يبحث فيه الكوردي على ما يخفف وطأة القيظ وثقل الأزمات عليه، بعد أن فقد الكثير من جغرافيته وتاه بين الفرقاء السياسيين المحليين والإقليميين، يحده من المستقبل أمل مشوب بالخوف مثلما يحده من الماضي أمل مفقود ممزوج بألم، يبحث في كل الوسائط الإعلامية عن بارقة أمل ربما تخرج عن الحوارات الكوردية- الكوردية وليتغلب على الشك الذي زرعته التجربة لديه يعلل تفاؤله بأنها تجري برعاية دولية.
- «تفاهمات جديدة» مبددة
صباح اليوم الأحد (16 آب 2020) عجت صفحات التواصل الاجتماعي الزرقاء بخير عن «تفاهمات جديدة» في هذه الحوارات، مع الحديث عن « تشكيل لجنة من الطرفين بغية الاتفاق على إنشاء مرجعية سياسية وإدارية وعسكرية برعاية أميركا وقائد قوات سوريا الديمقراطية»، كما تطرق الخبر ذاته إلى أن «الأجواء إيجابية بين الطرفين، وليست هناك سوى مسائل بسيطة، وهي قيد الحل بين الطرفين». سرعان ما تبدد الخبر الذي كذبته عدة أطراف مشاركة في الحوارات تلك، فيما وصف نائب سكرتير حزب يكيتي الكوردستاني، عبد الاله عوجي هذا الخبر بـ "الاتفاقات المفترضة" التي تنشر بين الفينة والأخرى وأنها "أمنيات وآمال يتمناها البعض، وقد تكون لخلق رأي عام ضاغط للتوصل إلى اتفاق".
عوجي أضاف في حديثه لـ زاكروس عربية أن "الحوارات مستمرة وهي حول المرجعية وصلاحياتها وتشكيلها، وأستطيع القول بإنها صعبة ولكن هناك إرادة لتذليل العقبات"، ونوّه إلى أحاديث متداولة حول ضم حزبي الوحدة والتقدمي، مؤكداً أنه "لم توجه أية دعوة لهما، إنما النقاش حولها توسيع المرجعية لتشمل قوى من خارج الإطارين قيد النقاش".
- اعتداء متكرر وسابقة
خلال السنوات القليلة الماضي من سيطرة "الإدارة الذاتية" على كوردستان سوريا، تعرضت مكاتب العديد من المجلس الوطني الكوردي وأحزابه لاعتداءات مختلفة، طالما كانت سلطة "الإدارة" والقوات التابعة لها تنفي مسؤوليتها عنها، إلى جانب العديد من الانتهاكات الأخرى على نشاطات سياسية للمجلس أو مظاهرات نظمها تتم على يد تنظيم "الشبيبة الثورية" المعروفة باسم " جوانى شورشگر " وهي جماعة شبابية تابعة لـ PYD.
لم يتفاجأ الوسط السياسي والإعلامي الكوردي بإقدام هذه المجموعة مساء أمس السبت " بإشعال النيران أمام المكتب الشرقي للحزب الديمقراطي الكوردستاني - سوريا في قامشلو وحرق علم كوردستان، ورش الصباغ على الباب ولوغو الحزب" وفق بيان للمجلس صدر ساعة الاعتداء، وأضاف أن" تلك المجموعة لاتزال أمام مكتب الحزب ويهتفون شعاراتهم ام ابوجينا (نحن أبوجيون)" في إشارة إلى أنهم من أتباع زعيم حزب العمال الكوردستاني PKK .
الحادثة هذه وصفها نائب سكرتير حزب يكيتي الكوردستاني، عبد الاله عوجي في حديثه مع زاكروس عربية بـأنها "محاولة يائسة من المتضررين من أي اتفاق كوردي كوردي لتوتير أجواء الحوارات".
السابقة التي ميزت الحادثة عن كل الانتهاكات الماضية، إقرار مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، مصطفى بالي، أن "بعض المتهورين المحسوبين على (جوانين شورشكر)" هم من أقدموا على ذلك، متوعداً إياهم بالمحاسبة.
فيما ذهب المحللون إلى أن هذه السابقة من قسد هي بمثابة إعلان عن "صراع بين أجنحة وأطراف داخل منظومة PKK من جهة وقسد من أخرى".
وعلّق الكاتب والروائي الكوردي عبدو خليل في منشور له على مدونته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حول الهجوم على مكتب البارتي "مقدمة لصراع حقيقي داخل مافيا العمال الكردستاني التركي داخل سوريا"، مشيراً إلى أن "هذا التنديد وللمرة الأولى.. وبهذا الوضوح.. بمثابة إعلان صراع ( علني ومكشوف) داخل منظومة العمال الكردستاني التركي على الأراضي السورية.. وسيكون لهذا الصراع كلف إضافية على السوريين بشكل عام والكرد منهم بشكل خاص".
- "أقطاب وصراع"
مؤشرات متزايدة مؤخراً تنم عن وجود "خلاف" -على أبسط تعبير- بين "أقطاب" في منظومة PKK وتيار آخر في صفوف قوات سوريا الديمقراطية وربما في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD.
العديد من التصريحات "الهجومية" من قبل قياديات قنديلية في "الإدارة الذاتية" على المجلس الكوردي تزامنت مع مضي الحوارات بينهما، كانت في الغالب تشكك في مصداقية المجلس وتحاول التشبث بـ "إنجازات ومكتسبات الإدارة الذاتية" مع رفض أي حديث عن "بيشمركة روج" كمدخل لحوار حول الملف العسكري أو إنشاء "قيادة مشتركة".
الإشارة الأقوى "فجرها" الصحفي والروائي الكوردي السوري، هوشنك أوسي، في منشور له على مدونته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في (4 تموز 2020) عن بدء إخراج بعض قادة حزب العمال الكوردستاني من مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" شمال شرق البلاد، بالتزامن مع التحضير لانطلاقة المرحلة الثانية من المفاوضات الكوردية-الكوردية التي تجري برعاية أميركية، من أجل توحيد القرار السياسي الكوردي في سوريا.
وكشف أوسي قيام مظلوم عبدي، قائد "قسد" بـ "منح القيادي في حزب العمال الكردستاني، صبري أوك مهلة قصيرة لمغادرة الأراضي السورية"، مشيراً إلى أن طرد صبري أوك، "الذي كان يشغل منصب مسؤول الأمن والمخابرات في PKK من المناطق التي تسيطر عليها قسد، يعادل في تأثيره طرد عبد الله أوجلان من سوريا".
إشارات أخرى تلاحقت خلال الأيام التالية، من قبيل تصريحات رئيس منظومة المجتمع الكوردستاني، جميل بايك، التي أبدى فيها موقفاً متوازياً مع المواقف التركية والسورية والإيرانية من الاتفاق النفطي الأخير بين قسد وشركة أميركية، بالإضافة إلى تعليقه حول الحوار الكوردي – الكوردي بشكل وصف بالسلبي.
رغم أن الطرفين لم يشيروا إلى الآن لأية تيارات أو خلافات داخل المنظومة، إلا أن المراقبين يمكنهم قراءة هذا الخلاف بوضوح، و"فجر" الصحفي هوشنك أوسي، في منشور آخر له في 12 من آب الجاري على مدونته الشخصية في "فيسبوك"، ضجة أكبر مع كشفه عن زيارة بايك إلى قامشلو، وهو ما فسره الكاتب بأن "الخلاف" بين الطرفين "وصل إلى مرحلة اللاعودة"، وأشار إلى أن عمليات اغتيال رموز عشائرية عربية في الجزيرة "يقف وراءها نظام الأسد وتهدف لتأليب العشائر العربية على مظلوم عبدي، الاستمرار في تجنيد الأطفال يقف وراءه PKK بقصد احراج عبدي أمام المؤسسات الدولية".
مضى الروائي والصحفي في متابعة ملف "الخلافات" مع حديثه عن توجه بايك إلى دمشق، وربما "يحاول إنشاء شيء (حزب) يكون بديل PYD ومظلوم عبدي وكل السلطة الموجودة في روجافا. هذا هو الجانب السياسي المشترك بين بايك ومخابرات الأسد ".
- تداعيات "الخلاف" على الحوارات
مصادر كوردية سياسية وإعلامية تؤكد أن "الخلافات" – إن وجدت- هذه سيكون لها انعكاس على الحوار الكوردي – الكوردي، كما أظهرت المنشورات السابقة وغيرها الكثير.
في هذا السياق كذلك قال عوجي لزاكروس عربية إنه "إذا كان هناك خلاف حقيقي بين أقطاب PKK سينعكس على جميع الأطراف وعلى الحوارات وسيكون هناك ممارسات ضارة بجميع الأطراف".
فيما يبقى السؤال هل هذا التلكؤ في الحوارات وعدم إحراز اتفاق واضح بين الطرفين انعكاس لذاك "الخلاف/ الصراع"، وكيف يؤثر ذلك -إذا صح - على كتلة أحزاب الوحدة الوطنية الكوردية؟
إعداد: زارا سيدا
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن