Erbil 19°C الجمعة 22 تشرين الثاني 17:16

أفاعي صبا _ج2

انا صبا بنت بنت اكبر مسؤول . ساحصل على كل ما ارغب واريد . لقد خلقني الله لذلك ..
Zagros TV

أفاعي صبا

قصة بقلم الكاتبة سوسن البياتي

الجزء الثاني

استفاقت من نومها مذعورة . ماهذا الكابوس يالهي . انه حلم غريب . ماذا يحدث ...

زاكروس

 الحمد لله كان مجرد حلم . لكن لم في مثل هذا اليوم ؟لم ؟ من المفترض انه اسعد يوم في حياتي . انه يوم زفافي ....

أنا صبا البنت الفاتنة . بنت اكبر رجل مسؤول في البلد . اي شيء اتمناه يحظر بلمح البصر . طلباتي اوامر مستجابة.

تغيرت الدنيا امامنا . دفنا حياة العوز والقلق منذ طفولتي . بعد ما حضر المارد من مصباح علاء الدين . اثر سقوط النظام السابق وعودتنا للعراق . اختطف المارد حياتنا القديمة واستبدلها باخرى زاهية الالوان .

الكل يتمنى مصاهرتنا والتقرب لعائلتنا . لدينا النفوذ النقود السلطة المنصب . حتى الشهادة التي اتمناها حصلت عليها بيسر وسهولة ودخلت الكلية التي ارغب .

ما كان يغيضني هو مضيعة الوقت مع المدرسين الخصوصيين الذين ثقبوا راسي باعادة المواضيع . وكانهم الآت تسجيل.

 واحد يخرج وعشرة يدخلون.. كم كان يرهقني ويسأمني الاستماع لهم . لا اعلم لم كان علي هدر الوقت معهم بما اني بالنهاية ساحصل على الاسئلة مع الحل قبل الامتحان .

حصلت على منصب عال حال تخرجي . كل هذا لايهم . المهم اني حصلت على حبيبي الوسيم نزار . حصلت عليه اخيرا.

 ترى ماذا كان سيحدث لو انه لم يابه لي وتزوج حبيبته تلك المعتوهة صاحبة المشغل . كم كنت اخاف ان يبقى متمسكا بها .

لا.. انا صبا بنت بنت اكبر مسؤول . ساحصل على كل ما ارغب واريد . لقد خلقني الله لذلك ..

 وبدات مراسيم تجهيز العرس . ستاتي مصففات الشعر والمكياج للبيت كي يجهزنها ويلبسنها فستان العرس المشغول بيد امهر العاملين في المناشىء الفرنسية ..ترتدي افخر زينة ومصوغات ذهبية . بدت اصابعها الدقيقة الجميلة وهي مزينة بتلك المصوغات كانها واحدة من اروع لوحات ديسكوفسكي . وعندما اكملت زينتها اكتملت معها ادوات الحسن الفتان فكانت تطير بلب كل من شاهدها ونظر اليها . بحيث انه لايستطيع الا ان يطيل النظر بسبب حسنها من جهة وبسبب ماترتدية من مصوغات من جهة اخرى . ناهيك عن الخمس والسبعين علبة حلي التي كانت بجانبها في ركن الغرفة . والتي من المفترض ان ترحل معها الى قاعة العرس . حيث سيقوم اهلها بتقليدها واهدائها تلك الاكداس امام الحضور .

استوقفتها نفسها بنظرة في المرآة . فعلا صبا فائقة الجمال . اصبحت عيناها النرجسيتين تلمعان اكثر من قطع الحلي والألىء التي ترتديها . انها التحفة الاندر . زادت القا وجمالا بثياب العرس . وازدات غرورا بانوثتها الطاغية ... تحرك موكب العريسين وسط مركبات الاهل والحرس والاصدقاء . لكن العريسين كانا متهورين . كانا يطيران بسيارتهما من الفرح بحيث سبقت سيارات الحرس والاهل . انه يومهما الموعود ..

ولكن مع ماذا.. انفجرت سيارة مفخخة بالقرب منهما انه موعدها مع الموت والشؤوم . الشظايا استقرت في جسد وراس نزاز . اغمض عينيه واستسلم لعالم الارواح . ابتدات النيران تقترب من مركبتهم . يومئذ لكل امرىء شان يغنيه . لا احد يقترب لمساعدتهما.. هي لاتستطيع الحراك صرخت :

_نزار انهض . النيران ستبتلعنا . النيران تلتف من كل مكان.

تصرخ صبا بالم . تستفيق من نومها . ياله من حلم مزعج ومخيف . ما هذا الكابوس الغريب . بالهي . الحمد لله انا بخير . لم احترق الحمد لله ماهذا الحلم الغريب الذي راودني الليلة . استغفر الله ...انها صبا الجميلة تلك الفتاة المعدمة ..تعيش في فقر مدقع .تقطن مع اهلها واخوتها واولاد اخوتها في احدى بيوت التجاوز ..يعني كم قطعة من البلوك المصفوف المغطى بسقف من الصفيح في حي ابتكره هؤلاء البسطاء بالقرب من مقالع النفايات . بسبب الجوع والعوز والفقر المدقع . عالمهم عبارة عن بحر من النفايات يقومون بفك رموز موجاته البلاستيكية و المعدنية عن باقي الامور الشائكة المتشابكة . يغوصون بين الامراض والمخاطر كي يجمعوا ثمن لقمة خبز لاغير .

والمضحك ان اكواخهم بنيت على مناجم من ذهب فهم يسكنون قرب وفوق ابار نفط لم يستخرج بعد..الارض قاتمة السواد..النفط يهم بالخروخ متضايقا رغم عن انوف الجميع . الثراء فاحش في بلد لا يسكنه الا اغلب الفقراء . لم يحلموا يوما بارتداء ثوب جديد او اقتناء قطعة اثاث جديدة . المهم لقمة تبقيهم على قيد الامل في استمرار نبض الحياة.

الحي مليء بالصبية يلعبون حفاة متسخين .اغلبهم تسرب من المدارس يعملون في مقالع النفايات . وفي احسن الاحوال يبيعون قناني الماء والمناديل الورقية قرب اشارات المرور . لم تعرف صبا شيئا من نعيم الدنيا وترفها . عاشت طفولة قاسية . ذاقت الامرين لتكمل الدراسة الابتدائية . كانت تضطر ان تمشي ساعة ونصف تحت اشعة الشمس او تحت زخات المطر الغاضبة كي تصل الى المدرسة . تذكر ارطال الوحل الملتصقة بقدميها وحذائها وهي تعيقها بالمسير . وكم مرة سقطت في برك الوحل والطين . لتنهال عليها امها ضربا حال وصولها الى البيت . كان ابواها ينهراها ويضرباها كي تترك المدرسة . وتخرج معهما الى المقالع . فتلبي احيانا رغبتهما بالخروج . وتانف وتضيق بطلبهما في اغلب الاحيان .

كانت تؤمن وتحلم بالحياة العفيفة الكريمة . ويمتد خيالها خارج تضاريس هذا المقلع الذي نشات فيه . لاتستطيع ان تحبس دموعها امام العالم الاخر في المدرسة البسيطة التي كانت ترتادها . بالنسبة لها ترى ابسط الامور ترف . ترى الاطفال يضحكون ويلعبون . وهم يرتدون الملابس الجديدة النظيفة . لديهن جدائل لامعة وشكلات شعر ملونة . ترى الترف عندما يجلبون معهم قطع النقود ولو من الفئات القليلة عندما يرتمون في احضان شباك الحانوت المدرسي .

ترى الترف عندما تشاهد حقائبهم ملئى بلفافات الخبز للاطعمة المعدة في المنزل . ترى الترف في احذيتهم الجديدة التي لم تلوثها اكوام الاتربة والغبار . لم تستطع مصارحة صديقاتها من اي بيئة تنحدر . بالاصح لم يكن لها صديقات .مظهرها المتسخ كان يبعد الصغار عنها . تكتم اه اللقمة والملبس والبيت والعيش البسيط . احلامها الصغيرة جميعها دفنتها في مقبرة قلبها الحزين . رغم ذلك انهت الابتدائية بتفوق . منعها اهلها من اكمال دراستها المتوسطة . اكملت الصف التاسع في المنزل . درست دراسة خارجية . وحصلت على الشهادةالمتوسطة . ولكن بعد ثلاث محاولات فاشلة . عبثا كانت تتوسل باهلها كي يجلبوا لها مدرسين خصوصيين بمادتي الانكليزي والرياضيات على الاقل . او الالتحاق بالمدارس المسائية . المهم اخيرا نجحت واصبح حلمها في يوم ما ان تتمكن من اخذ الشهادة الاعدادية .

رفضت الزواج التقليدي كي لاتنجب اولادا يعملون في المقالع كما تشاهد اولاد اخوتها اليوم . عموما لم تحلم بالكلية في حياتها قط .

لم تتخيل ان تخرج من هذا المقلع المتسخ حتى لا تلوث قدميها الحرم القدسي للجامعة .

كانت مولعة بالقراءة تقرا اي شي تقع عليه عيناها جريدة مجلة كتاب . وكان اولاد اخوتها يجلبون لها كل مايكتشفونه من كتب بين طيات المقالع . حلمها في يوم ما ان تعمل في مهنة محترمة . وعدها احدهم ان يجد لها عمل كسكرتيرة عند احد الاطباء . هو شاب وسيم يقود سيارة جكسارة سوداء شاهدها مرة عند اشارة المرور . يومها اشفقت على ابن اخيها الصغير وحملت معه قناني الماء البارد الى الموقع . شاهدها الشاب وقال : لم يخلق هذا الوجه الجميل لهذا العمل الشاق . الاتجيدين القراءة والكتابة؟ اجابته لدي الشهادة المتوسطة . قال لها: ممتاز ساجد لك عملا واعطاها رقم هاتفه النقال .

اخيرا سينصفها القدر وترى اناسا حقيقيين . انها تجلس على الكرسي المتصدا . وتتامل لوحة القدر المستقبلية . ستعمل وتاكل من كدها . ستعمل في المدينة وربما تستطيع اكمال دراستها وتتوظف بوظيفة محترمة . ربما تستطيع استئجار بيت بسقف حقيقي لاهلها . سيلبسون بشكل نظيف وياكلون الاطعمة اللذيذة .سينسون الم مقارط الجوع التي لم تبارح بطونهم . وينامون على فرش نظيفة.سيبداؤن برمي الاسمال في حاويات القمامة . يمارسون اول حلم في حياتهم . فجأة دوى انفجار هائل في المقربة منهم . تحرك سقف المنزل على اثره وكل اثات المنزل البسيط اذ صح ان نسميه اثاث . هرعت الى باب المنزل . الدخان يتصاعد من وسط المدينة . الاخبار السيئة تصل بسرعة .

 رن نقال اخيها . احدهم شاهد امير ابن اخيها لقد قضى بالانفجار . ازداد صراخ وعويل كل اهل المنزل وسكان الحي .وهم يركضون باتجاه الانفجار بدون هدى . عادت وحدها الى المنزل . تهاوى اركان حلمها الصغير مع جسدها المنهك على الكرسي المتصدا . تهاوى معها بصمت وسكون . ثم صرخت بعلو صوتها عندما لدغتها افعى من قدمها خرجت من فتحة في الحائط . بعدها شاهدت الافاعي والعقارب تخرج من تلك الفتحة بكثرة . افاعي وعقارب لاتعد ولا تحصى بدات تخرج وتملا الغرفة . افاعي برؤوس تعرفها . افعى براس صبا العاملة وصبا صاحبة المشغل وصبا بنت المسؤول افاعي براس جدتها وحبيبها واخريات برؤوس العاملات . افعى براس المسؤول وافاعي برؤوس والديها واخوتها ورؤوس اهل المنطقة وكل من صادفتهم في حياتها الافاعي تقرصها من كل مكان في جسدها . تلتف على رقبتها . هي لاتقوى على الحراك . الكلام . التنفس . فقط الم .خوف . غثيان . اختناق . وجوه بشرية متوحشة . عيناها معلقة بالسقف الصفيح المثقوب . تنفذ منه خيوط الضوء . بدات خيوط الضوء تخبو . لم لا ينتهي هذا الحلم القاتل . لم استمر هذا الحجيم ..يا الهي ارجوك اريد ان استيقظ . متى نهاية هذا الكابوس . اين نهاية هذا الحلم ؟

الأدب

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.