Erbil 15°C الخميس 25 نيسان 10:06

الرهان على ترامب مجمّد حتى "فوزه"

تفعيل التطبيع مع العرب باعتباره مؤشّراً لـ"السلام" ودعامةً له.

كان هناك إجماع على أن جولة مايك بومبيو انتهت بلا نتائج، بل بخيبة أمل، لماذا؟ لأن معظم العواصم، لا العربية وحدها، دخل مرحلة انتظار الانتخابات الرئاسية، أي أن وقت المراهنات على دونالد ترامب وإدارته قد فات. الأرجح أن تلقى جولة جاريد كوشنير ووفده المصير نفسه، ولن يكون ذلك مستغرباً. فهذا التحرك في ربع الساعة الأخير، وفي السياسة الخارجية، لا يمكن أن يُحدث تغييراً جوهرياً في مزاج الناخبين الأميركيين. سيكون التصويت، كالعادة، وفقاً لما أنجزه ترامب في الداخل، تحديداً في الاقتصاد وفي إدارة أزمة وباء "كورونا"، ومن هنا تركيزه أخيراً على التبشير بظهور اللقاح المرتقب عشية الاقتراع. 

لكن حسابات الماكينة الانتخابية ظلّت تُظهر لترامب حاجته الى أصوات اليهود الذين يميلون تقليدياً الى الحزب الديموقراطي، لذا اعتمد باكراً على قدرة بنيامين نتنياهو على اختراقهم واجتذاب قسم منهم الى جانبه. ومن جانبه، استغلّ رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه "المهمة" ليحفّز ترامب على الإسراع في إعلان "صفقة القرن" لتكون حجّته أقوى في إقناع اليهود الديموقراطيين. وقبل شهرين من الاستحقاق الانتخابي، ليس واضحاً ما إذا كان نتنياهو قد أنجز ما عليه، ثم إن حظوظ ترامب تزعزعت بفعل عوامل أخرى (تداعيات اقتصادية للفيروس، اضطرابات اجتماعية بعد مقتل المواطن الأسود جورج فلويد). في المقابل، أدّت الآثار السيئة المتوقعة لـ"صفقة القرن" الى اصطفافات دولية لم تكن محسوبة، وما لبثت أن تفاقمت بعد طرح خطة "ضمّ الأراضي" في الضفة الغربية، ما اضطر الجانب الأميركي الى تجميدها موقّتاً. ولئلا يبدو ذلك إخفاقاً لـ"الصفقة"، ارتأى الثنائي ترامب - نتنياهو، ودائماً بهاجس انتخابي، تفعيل التطبيع مع العرب باعتباره مؤشّراً لـ"السلام" ودعامةً له.

هذا ما جاء ببومبيو الى المنطقة ليبني على "زخم الاتفاق من أجل السلام الإقليمي"، وهذا ما جاء بكوشنير ليبني على ما بناه بومبيو. لكن الحصيلة التي غادر بها الأخير لا تدعم مسعى مستشار ترامب وصهره، إذ جرى الترويج أنه يعمل على "قمة إقليمية للسلام" يمكن أن يشارك فيها المغرب، بل تردد أن تشاد ستكون في عدادها، وربما تنضم إليها دول أفريقية أخرى. كالعادة، يتحرّك كوشنير بتخطيط إسرائيلي موجّه، وربما يعتقد الصهر أنه يخدم حملة عمّه الرئيس، خصوصاً أن المنافسة الانتخابية تبدو ضيّقةً جداً. ويدرك الجانب الأميركي أن الأطراف التي يستحثّها، تحديداً العربية، لم تدر ظهرها لترامب ولم تشرع بعد في المراهنة على جو بايدن، إلا أنها تتردّد في استجابة مسعى كوشنير، سواء لأنه متأخر ولا يحمل أي مصلحة لها، أو لأنه يُوظّف بطريقة قد ترتدّ عليها لاحقاً. فالدول التي يمكن أن تتقارب مع إسرائيل فعلت ذلك، وهي ماضية في تطوير العلاقة معها، وبالتالي فهي لا ترى ضرورة للتدخّل في فعاليات يستخدمها ترامب ونتنياهو انتخابياً.

 كان مثيراً للسخرية أن يضطر بومبيو في مستهل جولته لتلاوة فعل الإيمان المحسوم أميركياً منذ عقود: "التعهّد بالحفاظ على التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة". فهذا، كما قال، أصبح "قانوناً أميركياً"، ولولا الإشكال المتعلّق ببيع مقاتلات "اف 35" الى الإمارات، لكان أضاف أن هذا التفوّق ينسحب أيضاً على الدول التي تطبّع علاقاتها مع إسرائيل، إلا أن تصريحات نتنياهو كانت قد تولّت هذه الإضافة (لأسباب داخلية)، مثلما تجاهلت للأسباب ذاتها الإشارة الى "حلّ الدولتين" ونفي التخلّي عن "ضمّ الأراضي". وحتى عندما عزا بومبيو تزويد الإمارات بالسلاح لتدافع عن نفسها ضد الخطر الإيراني لم يكن موفّقاً، لأن أبو ظبي أكّدت أن قرار التطبيع مع إسرائيل ليس موجّهاً ضد إيران. 

 في أي حال، أدّى اللغط والغموض حول "محتوى" التطبيع، من الجانب الأميركي - الإسرائيلي، الى الضغط على الفرامل خلال استقبال بومبيو في السودان والبحرين وسلطنة عُمان، كلّ لأسبابها، إذ لا خلاف على قاعدة "التطبيع مقابل المصالح"، لكن بشرط أن تكون المصالح محقّقة وواضحة ومراعية لاعتبارات لا تتعلّق بالضرورة بالتوقيع على اتفاق بين حكومتين. لذلك سألت الخرطوم عن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعن إمكان فصله عن مسار التطبيع مع إسرائيل. لم يكن لدى بومبيو جواب، ولم يكن في إمكانه تجاهل أن بقاء العقوبات يمنع السودان من الحصول على تمويلات دولية لمعالجة أزمته الاقتصادية، كما لم يكن في إمكانه المضي أبعد في الابتزاز. أما في البحرين وعُمان فلم يكن مضطراً للحثّ الى التطبيع، فالحكومتان تقيمان تعاوناً معروفاً وعلنياً مع إسرائيل، ما يعني أنهما ليستا في "حال حرب" ضدّها، لكن ثمة موجبات للتطبيع الرسمي، أقلّها إنصاف الفلسطينيين، وفقاً للمبادرة العربية للسلام، ليكون مساهمة في بناء سلام حقيقي. هنا أيضاً لا التزامات محدّدة من جانب بومبيو، ليس فقط لأن إدارته حسمت موقفها ضدّ حقوق الشعب الفلسطيني، بل أيضاً لأنه هو أيضاً ينكر هذه الحقوق بحكم انتمائه الى الإنجيليين الذين يتبنّون دينياً (وسياسياً) الخط اليهودي - المسيحي.

لم تشرْ أي عاصمة خليجية، كما فعلت الخارجية الأميركية، الى أن المحادثات مع بومبيو تناولت "وحدة مجلس التعاون"، أي أزمة مقاطعة قطر. والأكيد أن أياً من السعودية والإمارات والبحرين ليس حالياً في وارد حلّ هذه الأزمة، ثم إن وساطة الكويت مستمرة لكنها مجمّدة بسبب الظروف الصحية لأميرها، ولا ترغب عُمان في الحلول محلها كما يشاع. لكن الأهم أن دول المقاطعة، ومعها مصر، ترى أن دور واشنطن ساهم في تثبيت الأزمة وتعقيدها أكثر مما في إنهائها، بل إنها استغلّتها للحصول على مزيد الصفقات والمكاسب من قطر ومن خصومها.

العالم

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.