Erbil 15°C السبت 20 نيسان 15:58

مدى إدراك النخب العربية للقضية الكوردستانية

من التناقض أن أكون جزءاً من الدولة، لكني لا أملك حرية القرار في هذه الدولة

ربما فقط في الوقت الراهن، أصبحت النخب العربية، سواء أكانت في السلطة أو في المعارضة، تنظر إلى القضية الكوردستانية في كل من سوريا والعراق، على أنها قضية "وطنية" على حد وصفها ويجب حلها سلمياً، لكن في المرحلة السابقة وتحديداً في النصف الثاني من القرن العشرين، كان التعامل مع الشعب الكوردستاني وحركته التحررية، يتم بالحديد والنار في ظل تأييد شبه كامل من قبل النخب العربية.

وبالرغم من حدوث انفتاح جزئي على القضية الكوردستانية في بداية القرن الواحد والعشرين، إلا أننا نجد أن محاولات العودة إلى خيار الحل العسكري مازالت قائمة وتتعايش مع حالة الانفتاح الضئيلة وتنتعش في عقول قسم كبير من المثقفين العرب، وأقرب مثال لنا هو اجتياح الحشد الشعبي الموالي لإيران، لمدينة كركوك واستخدام القوة ضد قوات البيشمركة التي حاربت إرهابيي داعش جنباً إلى جنب مع القوات العراقية وفصائل الحشد الشعبي، وحتى هذا الحين، لم نسمع صوتاً لهذا الانفتاح الجزئي يدين ما حصل إثر عملية الاستفتاء على استقلال كوردستان العراق، من استخدام للقوة ضد الكوردستانيين وإغلاق مطارات إقليم كوردستان بما فيها المنافذ الحدودية وممارسة سياسة ليّ الذراع المكسور للشعب الكوردي إلا في بعض الحالات النادرة.

والسؤال الذي يطرح نفسه ويستوجب إجابة مباشرة دون الالتفاف عليه واللعب بالكلمات وتأويل المصطلحات على هوى التوجهات السياسية. هو إذا كان الشعب الكوردي جزء من الدولتين السورية والعراقية، وإذا كانت قضيتهم قضية "وطنية"، فلماذا يجد الجزء العربي من الدولة السورية أو العراقية في نفسه، أنه يملك الحق في تقرير مصير نفسه وكذلك تقرير مصير الجزء الكوردي من هاتين الدولتين؟ ثم بأي حق يمنح القسم العربي من الدولتين هذا الحق لنفسه ويُحرم هذا الحق على القسم الكوردي من الدولتين؟ هذا في حال كان هذا الجزء العربي مؤمناً أصلاً بمبدأ الشراكة لا المركزية في الحكم.
أليس من التناقض أن أكون جزءاً من الدولة، لكني لا أملك حرية القرار في هذه الدولة ككل ولا أملك حرية القرار حتى في الجزء الذي أعيش فيه؟

أليس من الحق والعدل أن يكون التعامل بالمثل ما دمنا شركاء في دولة واحدة؟ وإن عكس هذا يكون باطلاً، وكل ما يُبنى على الباطل فهو باطل.

حقيقةً الواقع المعاش يؤكد أن الشعارات البراقة من جانب أغلبية النُخب العربية سلطةً ومعارضةً، والتي تتحدث عن ضمان الشراكة أو ما تسميه "المساواة التامة" للكورد مع العرب في سوريا، ما هي إلا مراوغة من جانب تلك النخب وقولٌ لا يصدقهُ فعل. إذ كيف تُفسِّر النخب العربية تحريم مجرد النقاش في استقلال كوردستان سوريا، حتى صارت الأحزاب الكوردية تتخوف أو تنحرج من طرح هذه القضية التاريخية على المعارضة السورية وهي بعدُ معارضة وبدون سلطة، فكيف إذا استلمت السطلة وهي تتعامل بهذا الاستعلاء وبمفهوم الأكثرية والأقلية؟ وبالتأكيد هذه القضية أكثر تحريماً بل وتجريماً لدى النظام السوري الذي لا يعترف بأكثر من الحقوق الثقافية للشعب الكوردي في كوردستان سوريا ويجيز استخدام القوة ضد الشعب والأحزاب الكوردية إذا ما طالبت بالحقوق الكاملة لشعب يعيش على أرضه التاريخية. طبعاً أغلب النخب العربية تُنكر أصلاً وجود جزء من أرض كوردستان في كل من سوريا والعراق، ولعلّ أكثر المثقفين العرب انفتاحاً على القضية الكوردستانية يقول: إنما نُحرم الحديث في استقلال كوردستان سوريا من مبدأ الحفاظ على وحدة الدولة السورية أرضاً وشعباً. ولنا أيضاً أن نتساءل: هل اختار الشعب الكوردي في كوردستان سوريا الوحدة مع الشعب العربي في سوريا بإرادته الحرة أم فُرضت هذه الوحدة عليه فرضاً؟

من المُحقق أن الإجابة مهما كانت، ستفتح أمامنا أبواب أسئلة أخرى، فإذا كانت هذه الوحدة فُرضت على الشعب الكوردي في كوردستان سوريا فإذن هي ليست بوحدة وإنما هي احتلال، وهذا يستوجب الاعتراف بأن كوردستان سوريا مُحتلة من قبل الدولة السورية ومن حق كوردستان سوريا المطالبة بالاستقلال. أما إذا كانت الوحدة هذه قد تمت باختيار من الشعب الكوردي في كوردستان سوريا، وهذا ما لم يحدث مطلقاً، ولكننا سنفترض أن الشعب الكوردي في كوردستان سوريا قد اختار الوحدة مع الشعب العربي في سوريا، إذن سيكون من حقنا الطبيعي كشعب كوردي في كوردستان سوريا أن ننهي وقتما نشاء هذه الوحدة التي نفترض أننا اخترناها بإرادتنا الحرة، فهل ستحترم النخب العربية إرادتنا الحرة بالاستقلال كما يجدر بالشركاء الحقيقيين المتساوين بالحقوق والواجبات؟ من المحقق أن هذا لن يحدث مطلقاً مع وجود هذه العقلية الإقصائية، ومع وجود نزعة لدى النخب العربية بالجمع بين متناقضين وهما الاعتراف ببعض الحقوق البسيطة للشعب الكوردستاني وإنكار حقه الرئيسي في الاستقلال بوطنه كوردستان الذي قُسّم بين سوريا وتركيا والعراق وإيران.
من الواضح جداً أن الجانب العربي يُصادر حق الشعب الكوردي في نفس الوقت الذي يدعي فيه حماية حقه ضمن دولة المواطنة التي تُبنى أصلاً على إنكار حق الشعب الكوردي في اختيار أن يكون أو لا يكون جزءاً من هذه الدولة، والعدل، أن الكوردي سيكون بحق جزءاً من الوطن والدولة، عندما يختار هو بنفسه أن يكون جزءاً من سوريا أو العراق، فهل اختار الكورد يوماً ما وبإرادته الحرة، أن يكون مستقلاً او جزءاً من الدولتين المذكورتين؟ الجواب بالنفي طبعاً، وحتى لو خيّر الجانب العربي الكورد في ذلك، سيكون ذلك مظلمة كبيرة جداً، إذ كيف وبأي شريعة سماوية أو أرضية يحق لشعب أن يُخيّر شعباً آخر بين أمرين؟ ثم يدعي السواسية بين الشعبين؟ فإذا كان الشعبان فعلاً سواسية، فلا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يقوم شعب بتخيير الشعب الآخر أحد أمرين.

هذا هو مختصر للفروقات بين إدراك الشعب الكوردستاني لقضيته وإدراك النخب العربية لهذه القضية التي اعتبرها دولية وليست فقط قضية وطنية سورية أو عراقية أو تركية أو إيرانية، فكيف يمكن للعقل تصور حدوث وحدة سليمة وصحيحة بين شعب كوردستان سوريا والشعب العربي في سوريا بدون ردم الهوة بين الإدراك العربي للقضية الكوردستانية ونظيره الكوردي وبدون تحقيق تقارب وانسجام بين الإدراكين؟

كوردستان

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.