Erbil 15°C الجمعة 29 آذار 12:08

امرأة بنكهة الشوكولاتة

قصة قصيرة بقلم الكاتبة: سوسن البياتي
Zagros TV

 بقدمين مرتجفتين خائفتين دخلت قفص الزوجية، كما دخل الذين من قبلها اليه زمرا، امتزج طعم الفرح بطعم المرارة، كانت تشعر انها ترتكب خطأ ما، لطالما تفكر بذلك الفارس، رسمت ملامحه في مخيلتها، شكله، طوله، تقاسيم وجهه، شخصيته، طيبته، ذكائه، عنفوانه، رجولته، مروءته.

زاكروس

 بحثت عنه بين السبع مليارات التي خلقها الله، انها تبحث عن الابرة في كومة قش، وكلما احست باقترابها من مبتغاها، تاتي امواج خطوب الزمان كي تحيلها عنه، المهم استسلمت لنداء القدر ولضغط الاهل، لا مفر من الزواج هو نهاية كل فتاة، ويجب ان تودع البنت احلامها الوردية في صندوق اخرس وتدفنه في مقبرة ذكرياتها بالرغم من كونها شابة متقدة الفؤاد شديدة الذكاء مرهفة الحس طيبة القلب قوية الارادة جميلة الطباع والشكل.

 هم هكذا الطيبون لاتجد اقدامهم طريق السعادة، تزوجت بطريقة تقليدية مثلما يفعل جميع من تراهم في مجتمعها، فان عزفت عن الزواج ستلاحقها العيون وتتقاذفها الالسن، او ستلقب بالعانس التي لم يطرق بابها خطيب.

 كان زواجها، اسدلت الستار على كل لون جميل عشقته عيناها، او حلم تمنت تحقيقه، انها امام زوج متغطرس، عنيد لا يفهم من معنى الرجولة غير الهيمنة والتسلط والغيرة العمياء، كانت تبرر غيرته بالحب وهيمنته بالرجولة، وتدخله بالحرص، كي تستطيع ان تستسيغه على مائدة زواجها، تراه كيف يلاحق افكارها، ويطارد الهامها، ويلقي القبض على على كل قصيدة تراود مخيلتها، يخطف كل فكرة تلمع براسها، يجلد احلامها وطموحها بسياط تخلفه، ينصب السيطرات على انفاسها يعدها ويفحصها قبل ان ياذن لها بالدخول الى رئتيها، لا يتوانى في ضربها اذا حاولت مناقشته، الى ان اطفأ البريق المتقد في عينيها .

استبدلت الحب الذي كان من المفترض ان تكنه له لابنائها وبيتها، انغمست في الشؤون اليومية البيتية، وتفانت باعمالها الوظيفية، شيئا فشيئا شعرت ان مشاعرها تخبو، وصارت تخلو من حب الحياة، وانها مجرد آلة تقوم بما يطلب منها دون حلم او طموح او امل بالغد .

 شيئا فشيئا بدت الامراض تفترس اجزاء جسدها المتعب، اعضاء جسمها اصيبت بالعطب عضوا بعد آخر، بينما الاحزان تلاحقها في احلامها ويقظتها، نست كيف تكون شكل الابتسامة، انها في كابوس طويل امتد لعقدين من الزمن درَّبها على الوان البؤس وكل انواع الاحزان، في يوم ما عندما بدأ جسدها بالاستسلام للموت كما استسلمت من قبل ذلك روحها وهي في تلك اللحظات بينما تناجي خالقها، نزل شعاع الرب متسللاً الى مرقدها، أيقظ مارد الحياة فجأة بداخلها، خلع الاقفال التي وُضعت على فمها، وكسر بيديه قضبان العبودية، قطع اوصال سلاسل السبي التي بُلِيت بها، نفخ في روحها فبُعِثت من جديد بشرا سويا، وقفت منتصبة القامة، كاملة الارادة، مكتملة الاوصال، قوية روحا وجسدا، واجهته بلغة اختصرت كل لغات العالم، كان يخرج مع كل حرف الف حرف، اختصرت عذابات وذل وقهر وحرمان عشرون عاما مضت، اقتلعته من حياتها كما تقتلع الريح الغاضبة كل ما علق على الارض، ابعدته من مخيلتها كالفكرة السيئة، اشمئزت منه كالخطيئة.

 لم تعد تراه بعينيها، اختفى وجوده تماما من عالمها الجديد، طلب الصفح والغفران، صار يبكي مثل الاطفال، برك على ركبتيه كي يبقيا معا، توسل لها بكل عزيز، اقسم انه سيغير منهجه، فما زادها ذلك الا صمودا واصرارا على موقفها وندما على تاخر قرارها، وتمسكت بموقفها اكثر عندما اكتشفت زيف شخصيته وتلونه كالحرباء، محاولا نيل رضاها ومجاريا لطلباتها طمعا في بقائهما معا دون جدوى، فالطائر غادر قفصه، وعندما اعدم الوسيلة واستنفذ كل محاولاته، استولى على كل شيء ادخرته طوال السنين وتركها ريشة في مهب الريح هي وابنائها .

 لم تستغرب تصرفه الاخير، اعتادت على تصرفات كان يقوم بها اسوء من هذه بالاف المرات، شعرت بانها الرابحة الاولى في العالم، وهي تشرب من كاس الحرية وتستمتع بنكهة النصر الذي غادر مائدتها منذ زمن طويل، ازهر عمرها من جديد وعاد قلمها يرقص ويرسم ويغني شوقا لكلماتها الغائبة، عادت الريشة تخط الوان الفرح في قصيدتها المغتصبة، طغت سماء افكارها زرقة هادئة، برق شعاع النور في عينيها وغسل وجهها، بدت جميلة من جديد، صغرت عشرين عاما، ازدادت انوثة وخصوبة وعزيمة وطموح، ها هي تشرق من جديد كشمس ربيعية تحتضن الطبيعة، احبت اولادها، ابدعت في اعمالها من جديد، احبت نفسها وطلبت منها الغفران على مافرطت في جنبها، بدت الايام تضحك لها من جديد، شعرت بان الايام تضحك لها لاول مرة خصوصا بعد ان التقت به اخيرا، ووجدته من بين المليارات، وجدته ووجدها بعدما اعياها البحث وارهقها حتى نسيته، انه هو الذي كانت ترسمه بمخيلتها فترة صباها بشكله، بجنونه، بمغامراته، بطيبته، بذكائه بعواطفه، بمشاعره، بهدوئه وغضبه، هو رجل وسيم فقد زوجته التي يحبها بحادث عندما كان يقود سيارته معها بجنون، عاهدها بعد رحيلها واقسم على قبرها بانه لن يتزوج بعدها ابدا لكنه اليوم امام توأم روحه، انها امرأة اسثنائية، عادت به الى ايام جنونه ومغامراته، عادت به الى حب الحياة وعطرها الزكي، احدهما يكمل الاخر، تزهر الارض تحت قدميهما اين ماحلا، تبارك الملائكة نسيج النور الذي يلفهما كي يبدو اقوى وامتن، اصبحا طائرين يحلقان في سماء كل روح عاشقة فمشهدهما يبعث الطمانينة، لكن لكل منهما قيد التف على عنقه، لقد وعدت ربها انها ستكرس حياتها لتربية اولادها واكمال رسالتها السامية اذا ساعدها في التخلص من سجَّانها بينما هو عاهد زوجته بانه لن يلمس انثى سواها وهو يواري جسدها الثرى في يوم رقودها الاول.

ياترى هل سيطول تحديقمها ببعضهما هكذا من دون قرار كل واحد من شرفته؟ ام سيقفز احدهما الى شرفة الاخر !!

الأدب

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن

الرد كضيف

هل ترغب في تلقي إشعارات؟
ابق على اطلاع بآخر أخبارنا وأحداثنا.